كل فقيه، إنما يسجل من هؤلاء وهؤلاء الأفذاذ الذين بزّوا أقرانهم، وفاقوا أندادهم، حتى يكونوا كالمراجع لهم، وحتى لا يتبادر إلى الذهن لدى ذكر اختصاصهم غيرهم.
وقد أرشد النبي ﷺ أصحابه إلى كبار المقرئين ليأخذوا عنهم القرآن، كما أرشد وذكر مناقب اختص بها واحدا منهم أو اثنين بالذكر، ولم يفهم من ذلك أحد حصر القضية فيهم.
عن مسروق أنه قال: «ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود فقال:
لا أزال أحبّه، سمعت النبي ﷺ يقول: «خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبيّ بن كعب»
أخرجه البخاري (١).
وعلى هذا النحو ورد الحديث عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال:
«أربعة كلهم من الأنصار: أبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت، وأبو زيد» أخرجه البخاري (٢).
فقد ذكر أنس هؤلاء لمعنى خاص لاحظه، أو أنهم هم الذين حضروا لذهنه (٣).

(١) في فضائل القرآن ج ٦ ص ١٨٦.
(٢) ج ٦ ص ١٨٧.
(٣) وأما رواية قول أنس: «مات النبي ﷺ ولم يجمع القرآن غير أربعة:
أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد»
، أخرجها البخاري أيضا عقب الرواية السابقة، فليس يصلح أن نأخذ منها ما يخلّ بما قدمنا الدلالة القاطعة عليه.
أما السند: فقد انتقده العلماء بأنه خالف الرواية الأولى وهي الأصح عند البخاري كما أشار لذلك البخاري نفسه، والمخالفة جاءت من وجهين: أحدهما التصريح بالحصر، والآخر ذكر «أبي الدرداء» بدل «أبيّ بن كعب»، وقد استنكر جماعة من الأئمة الحصر في الأربعة.


الصفحة التالية
Icon