الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهم».
وهذا النص يفيد تخوّف الصحابة وحسابهم للمستقبل الذي يوجب الحذر والاستعداد لما يطرأ للقراء في مجتمع فرض عليه الجهاد وأحدقت به الأعداء.
ويذكر الحديث ما اقتضاه العمل من الجهد في قول زيد: «فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللّخاف وصدور الرجال».
إن هذا يعني في ضوء المعلومات الثابتة التي قدمناها معنى جليلا هو أنه «طلب القرآن متفرقا ليعارض (١) بالمجتمع عند من بقي ممن جمع القرآن، ليشترك الجميع في علم ما جمع، فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء، ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف، ولا يشكّوا في أنه جمع عن ملأ منهم» (٢).
وفي ضوء هذا نفهم قوله: «وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره».
وروى البخاري عن ابن شهاب قال: «وأخبرني خارجة بن زيد بن ثابت سمع زيد بن ثابت قال: «فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف، فقد كنت أسمع رسول الله ﷺ يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فألحقناها في سورتها في المصحف» (٣).
فقد ورد من أكثر من طريق (٤) أن زيدا وعمر بن الخطاب قاما بعمل جمع

(١) أي يقابل وتدقق نسخته.
(٢) البرهان ج ١ ص ٢٣٨ - ٢٣٩.
(٣) أخرجه البخاري في فضائل القرآن ج ٦ ص ١٨٤.
وقد اخترنا أن قصة هذه الآية وقعت في جمع القرآن على عهد أبي بكر لاتحاد مخرج القصتين فإنهما ترويان عن زيد بن ثابت، أما الجمع على عهد عثمان فمن رواية أنس بن مالك، كما أنه من المستبعد جدا فقد شيء من مصحف أبي بكر، وعمل الصحابة في عهد عثمان إنما كان نشرا للمصاحف عن مصحف أبي بكر، وهو الذي جزم به الإمامان ابن كثير والزركشي.
(٤) كما أخرجها ابن أبي داود في المصاحف ص ١٢ و ١٧ وانظر الإتقان ص ٥٨.


الصفحة التالية
Icon