الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا،
وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرّق».
فقد أفادت هذه الرواية فوائد لها أهميتها في فهم العمل الذي قام به عثمان بن عفان رضي الله عنه، عني العلماء ببحثها ودراستها:
وأول ذلك: السبب الدافع للعمل الذي قام به عثمان وهو اختلاف الناس في وجوه قراءة القرآن، حتى قرءوه بلغاتهم- كما قال ابن التين (١) - على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخت تلك الصحف في مصحف واحد مرتّبا لسوره واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش... ».
وهذا يوضح لنا فرقا جوهريا بين عمل أبي بكر وعمل عثمان، وهو أن عمل أبي بكر كان جمع القرآن كله في نسخة معتمدة يشترك فيها الجميع لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته، لأنه لم يكن مجموعا في نسخة واحدة موثقة ذلك التوثيق، بل كان ما وجد من نسخ المصحف عند كتّاب الوحي على مسئوليتهم الخاصة.
وأما نوع الاختلاف الذي حدث بين الناس في القراءة فيلخصه لنا الإمام أبو بكر الباقلاني في الانتصار بأن عثمان «إنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أثبت مع تنزيل...
خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد» (٢).
(٢) البرهان ج ١ ص ٢٣٥ - ٢٣٦، والإتقان الموضع السابق.