وقد ثبت عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: «يا معشر الناس، اتقوا الله، وإياكم والغلو في عثمان وقولكم حراق المصاحف، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملإ منا» (١).
وقال علي رضي الله عنه أيضا: «لو وليت ما ولي عثمان لعملت بالمصاحف ما عمل» (٢).
وقد عنيت الأمة الإسلامية بهذه المصاحف العثمانية أكبر عناية، فاتخذت هذه المصاحف أصولا يؤخذ منها، وأئمة يقتدى في كتابة المصاحف بها، حتى حدثنا الرحالون المسلمون العلماء، والأئمة الكبار عن نسخ من هذه المصاحف أو قطع منها شاهدوها في بلاد الإسلام، ولا تزال أجزاء هامة من بعض هذه المصاحف حتى عصرنا هذا تحتفظ بها بعض دور الآثار الضخمة وتزهو بها على العالم.
ويحدثنا الإمام ابن كثير الدمشقي المتوفى سنة (٧٧٤ هـ) عن المصحف الشامي فيقول (٣): «أما المصاحف العثمانية الأئمة فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق عند الركن، شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، وقد كان قديما بمدينة طبرية، ثم نقل منها إلى دمشق في حدود سنة ٥١٨، وقد رأيته كتابا عزيزا، جليلا، عظيما، ضخما، بخط حسن مبين، قوي، بحبر محكم، في رقّ أظنه من جلود الإبل».
وقد ظل هذا المصحف مفخرة تزهو بها دمشق، ويحتضنها جامعها الأموي الكبير، حتى كان الحريق الكبير الذي أصاب المسجد الأموي سنة
(٢) المصاحف من أكثر من طريق ص ١٩ و ٣٠ وانظر البرهان ج ١ ص ٢٤٠.
(٣) في كتابه فضائل القرآن المطبوع في آخر تفسير ابن كثير ج ٤ ص ١٥.