بحفظه وحراسته، وخصّه بأن أودعه من علم الأولين والآخرين ومن دلالة الحرام والحلال ما يدعو إلى تحفظه والتوفر على تأمله... » (١).
٢ - اختص بالقرآن بكونه معجزة بذاته بخصوصية ثانية انفرد بها عن جميع المعجزات بل عن جميع البراهين والبينات، قال ابن خلدون:
«فإن الخوارق في الغالب تقع مغايرة للوحي الذي يتلقاه النبي ويأتي بالمعجزة شاهدة بصدقه، والقرآن هو بنفسه الوحي المدعى، وهو الخارق المعجز، فشاهده في عينه، ولا يفتقر إلى دليل مغاير له كسائر المعجزات مع الوحي، فهو أوضح دلالة لاتحاد الدليل والمدلول فيه، وهذا معنى قوله ﷺ «ما من نبيّ من الأنبياء إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» (٢). يشير إلى أن المعجزة متى كانت بهذه المثابة في الوضوح وقوة الدلالة وهي كونها نفس الوحي، كان المصدق لها أكثر لوضوحها، فكثر المصدق والمؤمن وهو التابع والأمة» (٣).
٣ - ثمة خصوصية أخرى بالغة الأهمية هي أن الإعجاز في الخوارق الحسية أنها أمور مخالفة للمعتاد من سنن الكون، وقواعد الطبيعة، فتأتي المعجزة الحسية ويدركها الناس بتلك المخالفة لقوانين الطبيعة فيعلمون إعجازها وصدق النبي الذي ظهرت على يديه (٤).

(١) المغني للقاضي عبد الجبار ج ١٦ ص ٣٤٤.
(٢) البخاري ج ٩ ص ٩٣ ومسلم ج ١ ص ٩٢ - ٩٣.
(٣) مقدمة ابن خلدون ص ١٠٦ - ١٠٧ مطبعة التقدم بمصر سنة ١٣٢٩.
(٤) ننبه هنا إلى أنها ليست مخالفة للعقل، ولا هي مستحيلة في النظر العقلي المجرد، أي أن تتابع الأحداث في الطبيعة وإنتاج الأسباب للمسببات ليس واجبا عقليا مثل كون الواحد والواحد يساوي اثنين، لكن العادة جرت على ذلك بحكمة الله تعالى وتدبيره، وقد يتحقق السبب ولا يتحقق المسبب لمانع، أو لتدخل قانون طبيعي أعلى من الأول، وهكذا يجري الله المعجزات وفق سنن إلهية خاصة غير معروفة للبشر، ولا داخلة في تعلمهم، وهو خالق العالم ومدبره، وذلك لتحقيق حكمته وإرادته في تأييد رسله وأنبيائه.


الصفحة التالية
Icon