قال الإمام الباقلاني: «فلو كان هذا القرآن من ذلك القبيل- الشعر- أو من الجنس الذي ألفوه لم تزل أطماعهم عنه، ولم يدهشوا عند وروده عليهم، فكيف وقد أمهلهم، وفسح لهم الوقت، وكان يدعوهم إليه سنين كثيرة، وقال عزّ من قائل: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ.
وبظهور العجز عنه بعد طول التقريع والتحدي بان أنه خارج عن عاداتهم وأنهم لا يقدرون عليه.. » (١).
بل إن العرب قد تحملوا في مواجهة التحدي بالقرآن وركوبهم متن العناد والتصميم على الشرك وعبادة الأوثان الأهوال والأخطار، فلو كان ذلك بوسعهم، وتحت مقدورهم لما عدلوا عن السهل المتناول من القول يخملون به حجته، ويصرفون الناس عن دعوته، إلى ركوب متن كل صعب وذلول، وتكلف الوعر المضني من الفعل بخوض غمار الحروب.
شهادة بلغاء العرب بإعجاز القرآن بأقوالهم:
صدرت عن سادة العرب الفصحاء البلغاء اعترافات صريحة بإعجاز القرآن، أملتها عليهم سجيتهم العربية، وطبيعتهم الفنية التي لا يمكن معها جور ولا محاباة، وإن كانوا مخالفين لرسول الله ﷺ معاندين دعوته إلى الإيمان، وقد أوردت لنا المصادر وقائع كثيرة يطول بسطها واستقصاؤها هنا (٢).
من ذلك ما روى الإمام محمد بن إسحاق في كتاب السيرة أن عتبة بن ربيعة وكان سيدا قال يوما وهو جالس في نادي قريش ورسول الله ﷺ في
المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله ﷺ قد اشتد
(٢) انظر للاستزادة إن شئت كتاب «المعجزة الخالدة» فقد توسع وأفاض.