العصور عاجزا عن استنفاد أوجه إعجاز القرآن والإحاطة بها خبرا، وإنما يبلغ من ذلك مقدارا يتناسب مع ما يمكن أن يحققه هذا الإنسان العاجز المحدود، وهو يحاول
فك أسرار الإعجاز، الذي تجاوز الطاقة والحدود.
عرض الإعجاز عند المتقدمين:
وسوف نكتفي بنموذج من بيان الأسلاف لأوجه إعجاز القرآن يساعد على استجماع الأفكار وتلخيص عصارة زبدة دراساتهم، ويمهد لتحليل جديد لهذه الأوجه.
وهذا النموذج للإمام المفسّر الكبير أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المتوفى سنة ٦٧١ هـ في مطالع كتابه العظيم في التفسير «الجامع لأحكام القرآن». قال القرطبي رحمه الله تعالى (١).
ووجه إعجاز القرآن الكريم عشرة:
١ - منها: النظم البديع المخالف لكل نظم معهود في لسان العرب وفي غيرها، لأن نظمه ليس من نظم الشعر في شيء، وفي صحيح مسلم أن أنيسا أخا أبي ذرّ قال لأبي ذر: لقيت رجلا في مكة على دينك يزعم أن الله أرسله، قلت:
فما يقول الناس؟ قال يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، وكان أنيس أحد الشعراء، قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق وإنهم لكاذبون.
وكذلك أقر عتبة بن ربيعة أنه ليس بسحر ولا شعر لما قرأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: حم فصلت، فإذا اعترف عتبة بن ربيعة على موضعه من اللسان وموضعه من الفصاحة والبلاغة، بأنه ما سمع مثل القرآن قط كان في هذا القول مقرا بإعجاز القرآن له ولضربائه من المتحققين بالفصاحة والقدرة على التكلم بجميع أجناس القول وأنواعه.
٢ - ومنها: الأسلوب المخالف لجميع أساليب العرب.