على ذلك بل إنه يشمل أوجها أخرى يدرك الإعجاز فيها كل من يفقه معاني الكلام، ولو لم يكن له في ساحة البيان جولات.
وقد أطال الدارسون القدماء والمحدثون في بيان خصائص أسلوب القرآن الكريم، ونلخص منها هذه الجوانب فيما يلي:
الوجه الأول: خاصية تأليف القرآن الصوتي في شكله وجوهره:
وهي خاصية بارزة عني بها بعض المتأخرين، وصاغها نظرية في إعجاز القرآن الموسيقى، وهو الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي رحمه الله (١).
أما خاصية تأليف القرآن الصوتي في شكله:
فهي أول ما يسترعي سامع القرآن الكريم عن بعد بحيث يسمع فيه جملة الحركات والسكنات، والغنّات والمدّات وهكذا... فإن السمع يجد نفسه إزاء لحن غريب عجيب لا يجده في كلام آخر، هو لحن فرد اختص به القرآن لا يوجد في الموسيقى ولا في الشعر، وذلك أنك تسمع القصيدة من الشعر فإذا هي تتحد فيها الأوزان بيتا بيتا وشطرا شطرا، وتسمع القطعة من الموسيقى فإذا هي تتشابه أصداؤها وتذهب مذهبا متقاربا، فلا يلبث سمعك أن يمجها، وطبعك أن يملها إذا أعيدت وكرّرت عليك بتوقيع واحد بينما أنت من القرآن أبدا في لحن متنوع ومتجدد، على أوضاع مختلفة يأخذ منها كل وتر من أوتار قلبك بنصيب سواء، فلا يعروك منه على كثرة ترداده ملالة ولا سأم.
وأما جوهر تأليف القرآن الصوتي:
فيكمن في نظم حروفه ورصفها وترتيب أوضاعها: هذا ينقر وذاك يصفر، وثالث يهمس، ورابع يجهر، وآخر حرف استعلاء وغيره حرف شدة أو رخاوة، وهكذا، ترى الجمال اللغوي ماثلا أمامك في هذا التناغم الموسيقى المعجز، الذي جعل منه القرآن قالبا لما حمله من معاني الرسالة وحكمها وأحكامها، وعقائدها وقواعدها، ومواعظها وزواجرها، وما امتاز به أسلوبها في عرض هذه المعاني من سائر الخصائص المعجزة.