«فإذا ذكرنا أن الأداة التي تصور المعنى الذهني، والحالة النفسية، تشخّص النموذج الإنساني، أو الحادث المرئي، إنما هي ألفاظ جامدة، لا ألوان تصور، ولا شخوص تعبر أدركنا موضع الإعجاز في تعبير القرآن» (١).
وبوسعنا أن نقول: إن هذه النتيجة التي انتهى إليها صاحب البحث في «التصوير الفني» لعلها كما قال الدكتور صبحي الصالح (٢): «أن تكون أصدق ترجمة لمفهومنا الحديث لإعجاز القرآن، لأنها تساعد جيلنا الجديد على استرواح الجمال الفني الخالص في كتاب الله، وتمكّن الدارسين من استخلاص ذلك بأنفسهم، والاستمتاع به بوجدانهم وشعورهم، ولا ريب أن العرب المعاصرين للقرآن دهشوا قبل كل شيء بأسلوبه الذي حاولوا أن يعارضوه فما استطاعوا، حتى إذا فهموه أدركوا جماله، ومسّ قلوبهم بتأثيره... ».
وسائل التصوير الفني في القرآن:
ليست أدوات التصوير الفني قاصرة كما قد يتوهمه بعض الناس على أدوات معينة، من تشبيه مركب أو بسيط، أو من استعارة تخييلية أو غير تخييلية، أو مجاز أو نحوه مما قد يقع في خاطر الدارس قبل التمعن والتروي، هذا ظن الذين يغلطون فيحسبون الأدب صناعة كصناعات الحرف والحديد والخشب، وهم بذلك يفقدون الأدب حيويته ويحنطونه جثمانا فاقدا روحه، فالأدب والفن أوسع من أن تحيط به القوالب، أو تحده الحدود، فكيف بمعجزة الأدب وفن التصوير فيها.
إن وسائل التصوير في القرآن هي كل وسيلة من وسائل التعبير تثير المخيلة وتستدعي الصورة إلى الفكر، وتسيّر الحركة، وتلمس مشاعر الوجدان والقلب.
(٢) في كتابه «مباحث في علوم القرآن» ص ٣٢٠.