٣ - إن الوحي كان ينزل على النبي صلّى الله عليه وسلم غير مرتبط بإرادته أو رغبته، ولا بتفكيره أو بحثه لدى وقوع المهمات، فربما كان في بيته يأخذ شيئا من الراحة فينهض والبشر على محياه وقد نزلت سورة، كما ثبت الخبر في نزول سورة الكوثر كما أخرج ذلك مسلم في صحيحه، ومن القرآن ما تنزل في هزيع أخير من الليل، كآية التوبة على الثلاثة الذين خلّفوا، وآية وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وكان النبي صلّى الله عليه وسلم في خيمته والحرس حوله، فأخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأسه من الخيمة فقال: «يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله تعالى» (١) ولهذا كثرت أقسام القرآن بحسب أوقات نزوله، فمنه السفري والحضري، ومنه الليلي والنهاري، ومنه ما نزل مشيّعا، ومنه... ومنه، مما فصله علماؤنا في مصادر علوم القرآن.
٤ - «إن عبقرية الإنسان تحمل بالضرورة طابع الأرض حيث يخضع كل شيء لقانون الزمان والمكان، ويتقيد بحدودهما وآفاقهما، بينما يتخطى القرآن دائما نطاق هذه الحدود، ليدلّ من خلال رحابة موضوعاته إلى أن دور محمد- صلّى الله عليه وسلم- فيه إنما هو الحفظ والوعي، أو الأخذ والتلقي، ثم الإبلاغ للعالم.
بل إن جميع معارف الإنسان في عصر نزول القرآن- لا معارف النبي ومعارف بيئته- ومعارف عصور لا حقة لا تمثل شيئا من شمول المعارف القرآنية وتنوعها وعمقها، فضلا عما في معارف القرآن من تصحيح تلك المعارف وتقويم عوجها من جذورها، حتى ما كان منها متعلقا بما هو سابق لعصر نزول القرآن، فليت شعري إن لم يكن هذا وحيا ممن يعلم السر في السموات والأرض فأي شيء يكون» (٢).
(٢) باختصار وتصرف عن كتاب «الظاهرة القرآنية» تأليف مالك بن نبي رحمه الله، وليرجع إلى هذا الكتاب ففيه فوائد هامة. وانظر ما يأتي في الإعجاز العلمي وفي بحث «الكون في القرآن».