دخله تغيير أو تبديل، ويخبر بوقائع لا يعلمها أهل الكتاب ولا ذكرت في تراثهم فكان كما قال تعالى في وصف القرآن: مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ. وهذا مع أن علماء أهل الكتاب كانوا يخفون تلك العلوم التي عندهم ولا يطلعون أحدا عليها، فدل ذلك القصص على أنه لا يمكن إلا أن يكون تلقيا من عالم الغيب والشهادة، الذي يعلم السر في السموات والأرض.
وقد ذكر القرآن الكريم هذا الوجه من الإعجاز، وصرح به في مواضع متعددة، تأكيدا لإعجازه، وتأكيدا لتحدي المرتاب الشاك، والمنكر المعاند.
فنجده- مثلا- عقب ذكر قصة مريم وكفالة نبي الله زكريا لها يقول:
ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (١).
ويقول في سورة هود: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٢).
فقد كان النبي ﷺ أميا لم يقرأ كتابا قط، ولا تعلم من عالم قط، وقومه كذلك أميون، وهو لم يشاهد تلك الحوادث ولا التقى بشخصيات تلك الوقائع التي قصها القرآن، بل قد تعرض للامتحان فيما يأتي به من قصص الغيب الماضي، فطرح عليه أهل الكتاب أسئلة مما يعلمونه مغيبا عنه فسألوه بواسطة أهل مكة عن أهل الكهف والروح وذي القرنين فأجابهم عن ذلك كله بدقة وتفصيل، فآمنا من ذلك «.. إنه ما علم إلا بوحي الله واطلاعه عليه، وهي أخبار كثيرة، لا يقع الصدق فيها إلا بالوحي من الله عز وجل» (٣).

(١) سورة آل عمران، الآية ٤٤.
(٢) سورة هود، الآية ٤٩.
(٣) تثبيت دلائل النبوة للقاضي عبد الجبار الهمذاني ص ٨٦ - ٨٧. وفي هذه العبارة إشارة هامة إلى حكمة من حكم كثرة القصص واتساع المساحة التي يحتلها من القرآن، وهي تأكيد هذا الإعجاز.


الصفحة التالية
Icon