فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ.... وكان بعد حل العقدة انتهاء القصة بمشهد ختامي رائع، هو مشهد أولئك الطغاة الجبارين يذوقون أليم العذاب: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا... إلى آخر السورة وما فيها من اختصامهم في النار...
ونلمح في القصة خصوصيتين من خصائص فن القصص المسرحي:
الأولى: الاعتناء بفن التصوير، ويظهر هنا واضحا في رسم الشخصيات، فشخصية موسى هي شخصية ذلك النبي الواثق بقضيته فهو يواجه تهديد فرعون باللجوء إلى الله تعالى، وشخصية الرجل المؤمن تبدو من خلال الحوار شخصية الرجل الحكيم الذي يتبع المنطق المعقول، مع إثارة عواطف قومه بالنداء المتكرر «يا قوم.. يا قوم.. »
وشخصية فرعون تبدو بجبروتها وخبثها وإصرارها على الباطل، يقابل دعوة الحق بسفك الدماء، ويواجه المنطق المفحم بالحيلة والدهاء: يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ...
الخصوصية الثانية: حذف الثغرات بين الوقائع مما لا حاجة إليه لفهم القصة، بطريقة فنية عجيبة اخترق بها قصص القرآن أستار القرون ليأتي متلائما مع ما يسمونه «العرض التمثيلي» الذي نما في هذا العصر إلى أبدع أسلوب وصل إليه الأدب. فتجدنا مع قصص القرآن ننتقل من مشهد إلى مشهد، كما لو كنا أمام القضية تعرض علينا صورا. فمن مشهد إرسال موسى ودعوته فرعون، وتهديد فرعون بالقتل، إلى مشهد مجلس خاص بين فرعون وحاشيته يبرز فيه مؤمن آل فرعون حيث يدور الحوار الذي يشغل القسم الأكبر من القصة، إلى مشهد آل فرعون، وقد حاق بهم سوء العذاب في ختام القصة.
ومن تأمل سائر قصص القرآن تبين له ما عرضناه هنا، وتذوق إعجاز أسلوب القرآن في القصة، وزاد إحساسه بذلك إذا لاحظ البون الهائل بين القصة في الأدب العربي وآداب العالم في عصر نزول القرآن وما تطور إليه فنها في العصر الحديث.