واستحضار ذلك متعذر على البشر في أكثر الأحوال، وذلك عتيد حاصل في علم الله، فلذلك كان القرآن أحسن الحديث.
ومن أمثلة ذلك:
قوله تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ أحسن هنا من التعبير ب «تقرأ»، لثقله بالهمزة، ولا رَيْبَ فِيهِ أحسن من لا شك فيه، لثقل الإدغام، ولهذا كثر ذكر الريب، ومنها وَلا تَهِنُوا أحسن من: ولا تضعفوا، لخفّته (١).
٢ - تآلف الألفاظ مع المعاني:
وهو من أوجه إعجاز القرآن العامة، عني به الباقلاني والجاحظ (٢) وغيرهما. وهو كما قال الباقلاني: «علم شريف المحل، عظيم المكان،.. ،
وهو أدقّ من السّحر، وأهول من البحر، وأنت تحسب أنّ وضع الصّبح في موضع الفجر، يحسن في كل كلام، إلا أن يكون شعرا أو سجعا، وليس كذلك، فإن إحدى اللفظتين قد تنفر في موضع وتزلّ عن مكان لا تزلّ فيه اللفظة الأخرى، بل تتمكن فيه، وتضرب بجرانها... ».
وهذا الوجه مستوفى في كل القرآن، وفي كل آية منه، لا تحتاج إلى اختيار وانتقاء.
هذه سورة الفاتحة مثلا: افتتحت بأفضل وأكمل الثناء الحسن الجميل على الله وأبلغه: الْحَمْدُ لِلَّهِ. ولم تقل الشكر، ولا المدح، لأن الشكر يختص بجميل الفعال، والمدح يختص بجميل الخصال أي الصفات، فعبرت ب «الحمد» فشملت معنى كل من المدح والشكر. ثم جاءت كلمة «الحمد» معرفة بأل، وهي هنا للاستغراق، فأفادت شمول كل حمد وكل شكر وكل مدح.
ثم أسندت الحمد لله تعالى بهذا الاسم «الله»، وهو الاسم الدال على
٢١٠ - ٢١١.
(٢) إعجاز القرآن للباقلاني: ٢٨٠ والبيان والتبيين للجاحظ: ١/ ٤٠. وانظر كتابنا القرآن الكريم والدراسات الأدبية: ١٧٨ - ١٧٩.