مذهب الحنفية والشافعية، وذهب جماعة من السلف إلى منعه، وهو مذهب المالكية والحنبلية (١).
واستدل الجمهور بما سبق من الأحاديث في رفع الصوت وفي تحسينه، وهي صريحة في المراد، مثل قوله: «ما أذن الله لنبي يتغنّى بالقرآن»، و «زينوا القرآن بأصواتكم» و «ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن». وغير ذلك.
واستدل المانعون بأدلة من القرآن والسنة والعقل والقياس.
أما القرآن فقوله تعالى: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ والتلحين باطل، لأنه يؤدي إلى تغيير الكلام.
واستدلوا من السنة بأحاديث فيها ضعف، ومنها ضعفه شديد جدا.
واستدلوا من القياس بأن التلحين يخرج الكلام عن أصله، ويزيد فيه المد ولو غير ممدود، ويجعل الحرف الواحد حروفا والمد مدودا، والألف ألفات، أو يقصر ما هو ممدود، وغير ذلك مما يحتاجه التطريب، وكل ذلك لا يجوز (٢).
وأجابوا عن أدلة الجمهور بأن المراد بتغني النبي ﷺ تحسين صوته ورفعه، لا التلحين، وأن معنى «يتغنى بالقرآن»: يستغن. وقالوا: حديث زينوا القرآن بأصواتهم، هذا على القلب، والمراد زينوا أصواتكم بالقرآن، لأن القرآن منبع الخبر والفضائل، فكيف نزينه.
وغير ذلك من أجوبة وتأويلات كثيرة، اخترنا أمثلها، لا نطيل بإيرادها (٣).
ونرى أنه لا خلاف في الحقيقة فقد أراد المجوزون التلحين الذي لا يخرج

(١) كذلك عزا القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ١: ١٠ - ١١ وتفسير آيات الأحكام بإشراف فضيلة الأستاذ الشيخ محمد علي السائس: ٤: ١٩٢ - ١٩٣. وكأنه اختصر بحث القرطبي قارنه بتفسير آيات الأحكام: ٤: ١٩٢ - ١٩٦.
(٢) الجامع لأحكام القرآن: ١/ ١٦.
(٣) انظرها مفصلة في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي مع جمع أدلة الكل: ١/ ١٢ - ١٦.


الصفحة التالية
Icon