حافظت على نفسها ودينها وحضارتها ليس هذا فحسب، بل امتصت القوى التي جاءت لإفنائها وجعلتها هي تتحول لتكون من أسباب قوّتها، كما حصل من الانقلاب الكبير للصليبيين بعد احتكاكهم بالمسلمين، والعبرة الأكبر في التتار الذين دخلوا الإسلام واعتنقوه، مما يبرز لنا أهمية التربية الإسلامية، وأسلوبها في غرس هذه العوامل بوسائل كثيرة منها أسلوب قصص الأمم السابقة، ولهذا ندرك أيضا موقع هذا الاختتام العظيم لسورة هود بهذه الآيات:
وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ. وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا....
ثانيا: مواجهة ما يطرأ من أمور أو حوادث تمس الدعوة:
كما قال تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً. وهذه حكمة جليلة لها أثرها البالغ في نجاح الدعوة، لمواجهة الوحي نفسه للطوارئ والملمات، ومن أهم ذلك ما يثيره المبطلون من الاعتراضات أو الشبهات، وهو الأصل الذي صرحت به الآية الكريمة أي لا يأتونك بسؤال عجيب أو شبهة يعارضون بها القرآن بباطلهم العجيب إلا جئناهم بما هو الحق في نفس الأمر، الدامغ له، وهو أحسن بيانا وأوضح، وأحسن كشفا لما بعثت له (١)، وكأن جبريل واقف بالمرصاد يشرع سهم القرآن في صدور المشركين كلما أجمعوا أمرهم وألقوا سؤالهم أو حزبوا لنصرة الباطل أمثالهم.
هذا أبيّ بن خلف من رؤساء الشرك جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم وهو يفتته ويذريه في الهواء وهو يقول: يا محمد، أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فقال: «نعم، يميتك الله تعالى، ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار»، ونزلت هذه الآيات من آخر سورة يس (٢):

(١) تفسير ابن كثير الموضع السابق، وأنوار التنزيل للبيضاوي مع حاشية الكازروني ج ٤ ص ٩٤.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٦ ص ٥٧٩ وفي رواية أن العاص بن وائل فعل ذلك وصححه الحاكم


الصفحة التالية
Icon