الطواسين، ولم ترتب المسبحات ولاء، بل فصل بين سورها، وفصل بين طسم الشعراء وطسم القصص بطس النمل مع أنها أقصر منهما، ولو كان الترتيب اجتهاديا لذكرت المسبحات ولاء، وأخرت طس النمل عن طسم القصص (١).
وهكذا من يتدبر سائر السور يعلم أن ترتيبها توقيفي.
الثاني: ما راعاه العلماء الأئمة في بحوثهم من التزام بيان أوجه التناسب بين كل سورة وما قبلها، وبيان وجه ترتيبها.
ويدل الإجماع على ذلك أيضا، فإن الصحابة قد أجمعوا على هذا الترتيب وقرءوا به في صلواتهم، وفي المصاحف من غير مخالفة، ولو كان لدى بعضهم مستند لترتيبه على غير ذلك لتمسكوا به، لكنهم أجمعوا على التزام هذا الترتيب وترك ما سواه، ثم استمرت الأمة على ذلك من غير خلاف قط، فكان ذلك إجماعا على الترتيب الذي في مصحف عثمان، ووجوب التزامه مدى الأزمان (٢).
(٢) وقد أخطأ من خالف هذا الترتيب في تفسيره للقرآن أو لجزء منه، وذلك لما يلي:
١ - مخالفة الإجماع على ترتيب سور القرآن كما هي في المصحف.
٢ - الإخلال بمقاصد الوحي الإلهي من ترتيب القرآن، وما فيه من مناسبات حكيمة تتصل بمعاني القرآن وتدخل في إعجازه، فمهما خطر ببال أحدهم فحكمة الوحي أعلى وأسمى، وقد أحكم الحكيم العليم ترتيب كتابه آيات وسورا، كما أحكم ترتيب أطرافه، وقد افتتح القرآن بالمعارف الإلهية وأصول العقيدة في سورة الفاتحة، ثم قرر في البقرة عظمة القرآن ومقاصد هدايته ودعا إلى توحيد الله مستدلا بدلائل الخلق والآفاق وإلى الإيمان بالنبي ﷺ والقرآن وتحدى العالم بمثل سورة منه، وذكر الجنة والنار، ثم أقام الحجج على المشركين وغيرهم...
وهكذا فقد عرّف القرآن الإنسان منذ بداية طرف المصحف الأول بمقام ربه وعظيم شأنه وأجال نظره في آياته التي تتجلى في مخلوقاته، وعرف نبوة رسوله وحقية كتابه، وصار بذلك أهلا لفهم التشريع متهيئا لقبوله، فأتاه حينئذ بالتشريع والأحكام.