قال أبو عبيد: فذكر رثاث المتاع عند هذا الحديث دليل على أنه أراد الاستغناء، وليس الصوت من هذا في شيء (١).
وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: من قرأ سورة آل عمران فهو غنيّ (٢).
وقال:/ نعم كنز الصعلوك آل عمران يقوم بها من آخر الليل (٣).
وفي الحديث: «من جمع القرآن فظنّ أنّ أحدا أغنى منه فقد حقّر عظيما وعظّم صغيرا» (٤).
قال أبو عبيد (٥): ومعنى الحديث أنه لا ينبغي لحامل القرآن [أن] (٦) يرى أحدا من أهل الأرض أغنى منه، ولو ملك الدنيا برحبها، ولو كان وجهه ما تأوله بعض الناس من الترجيع بالقراءة وحسن الصوت لكانت العقوبة قد عظمت في ترك ذلك أن يكون من لم يرجع صوته بالقرآن فليس من النبي صلى الله عليه وسلم.
قال (٥): ويقول العرب: تغنيت تغنيا وتغانيت تغانيا، بمعنى استغنيت.
قال الأعشى:

وكنت امرأ زمنا بالعراق عفيف المناخ طويل التّغنّ (٧)
يريد الاستغناء.
قلت: ولو كان معنى الحديث ترجيعا للزم أن يكون النبي ﷺ وأصحابه كانوا يقرءون ترجيعا إذ قال: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» (٨)، أي: نحن
(١) ذكر هذه الأقوال أبو عبيد في «غريب الحديث» (٢/ ١٦٩ - ١٧٠).
(٢) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص/ ١٣٧ - ١٣٨)، ومن طريقه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢٦١٥)، ومن طريق آخر عبد الرزاق (٦٠١٥)، والدارمي (٣٤٣٨) وزاد: والنساء محبرة.
(٣) أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» (ص/ ٢٣٨)، ومن طريقه الدارمي (٣٤٤١)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (٢٦١٦)، ومن طريق آخر عبد الرزاق (٦٠١٥).
(٤) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (٢٦١٧).
(٥) «غريب الحديث» (٢/ ١٧١).
(٦) ليست في الأصل، والمثبت من مصدر التخريج.
(٧) ديوان الأعشى (ص/ ٢١١).
(٨) تقدم تخريجه (ص/ ٢٥) تعليق (٣).


الصفحة التالية
Icon