مناهجها ومدارجها، فكم للمعنى بترتيبها المتكلف لإتقانها وتهذيبها من أجر مكتوب غير محسوب، اقتفاء للآثار، وترتيلا مطولا للكلم القصار، لا هذّا كهذّ الأشعار، وقد ثبت أن قراءته ﷺ كانت بالترجيع والمدّ (١)، وأن حديثه كان لا يعجله عن الإفهام والعدّ (٢)، فمن ذا الذي يطلع رأسه للردّ، أو يتعرض لتعدي الحدّ، أو يرى تمره كبير الدقل في الصاع والمدّ.
وأحب ﷺ أن يسمعه من سواه، وقال له: «حسبك»، وقد ذرفت عيناه (٣). وقال لأبي موسى وقد ركب في قراءته ذلك المنهج المحمود: «لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» (٤).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين، رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل؛ ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحقّ، فقال رجل:
ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل» (٥).
وروى أبو عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه (٦) [عن النبي صلى الله عليه وسلم] (٧)، قال: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه».
(٢) روي في هذا المعنى أحاديث كثيرة في «الصحيحين» وغيرهما، منها: ما أخرجه البخارى (٣٥٦٧)، ومسلم (٣٩٤٢)، عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبيّ ﷺ كان يحدّث حديثا لو عدّه العادّ لأحصاه».
وأخرجه أبو يعلى (٤٣٩٣) عنها، بلفظ: «ما كان رسول الله ﷺ يسرد الحديث كسردكم، إنّما كان حديث رسول الله ﷺ فصلا تفهمه القلوب».
(٣) أخرجه البخاري (٥٠٥٠)، ومسلم (٨٠٠)، والترمذي (٣٠٢٥)، والنسائي في «الكبرى» (٨٠٧٨) وابن أبي شيبة (١٠/ ٥٦٣)، وأحمد (١/ ٣٨٠، ٤٣٣)، وأبو يعلى (٥٠٦٩، ٥١٢٨)، وابن حبان (٧٠٦٥)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(٤) أخرجه البخاري (٥٠٤٨)، ومسلم (٧٩٣)، والترمذي (٣٨٥٥)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(٥) أخرجه بهذا اللفظ البخاري (٥٠٢٦)، من حديث أبي هريرة، وقد تقدم بيان طرقه (ص/ ٢١) تعليق (٢).
(٦) في الأصل: (عنهما)، والمثبت من مصادر التخريج.
(٧) زيادة من مصادر التخريج؛ لأن الحديث مرفوع كما تقدم (ص/ ٢١) تعليق (١).