حسابَه، وهذه هي النهاية التي كنتَ لا تتوقعها، فالآن فانظر فبصرك اليوم حديد.
هنا يتقدم قرينه، وهو الشهيد والشاهد الذي يحمل سجل حياته: ﴿وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيد﴾ أي ما لدي حاضر مهيأ معد، لا يحتاج إلى تهيئة أو إعداد، هنا يأتي الأمر الإلهي للملكين الحافظين: السائق والشهيد، الأمر الإلهي، قول الله تعالى: ﴿أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيد * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيب * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيد﴾ وذكر هذه النعوت يزيد في حرج الموقف وشدته، فهو دلالة غضب الجبار القهار في الموقف العصيب الرهيب، وهي نعوت قبيحة مستحقة لتشديد العقوبة: كفار، عنيد، مناع للخير، معتد مريب، الذي جعل مع الله إلهًا آخر.
وتنتهي بتأكيد الأمر الذي لا يحتاج إلى توكيد: ﴿فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيد﴾ بيانًا لمكانه من جهنم التي بدأ الأمر بإلقائه فيها، عندئذٍ يفزع قرينه ويرتجف، ويبادر إلى إبعاد ظل التهمة عن نفسه بما أنه كان مصاحبًا له وقرينًا: ﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيد﴾ هنا يجيء القول الفصل، فينهي كلَّ قولٍ: ﴿قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيد * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيد﴾ فالمقام ليس مقامَ اختصام، وقد سبق الوعيد محدِّدًا جزاءَ كل عمل، وكل شيء مسجل لا يبدل، ولا يجزَى أحد إلا بما هو مسجل، ولا يظلم أحد، فالمجازي هو الحكم العدل.
ثم يأتي جانب مخيف من يوم الحساب: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيد﴾ إن المشهد كله مشهد حوار، فتعرض جهنم فيه في معرض الحوار، وبهذا السؤال والجواب يتجلى مشهد عجيب رهيب، هذا هو كل كفار عنيد، مناع للخير معتد مريب، هؤلاء هم كثرة تقذف في جهنم تباعًا وتتكدس ركامًا، ثم


الصفحة التالية
Icon