في النهاية إلى ربك، فإليه المرجع وإليه المآب بعد الكد والكدح والجهاد، يا أيها الإنسان إنك كادح حتى في متاعك، فأنت لا تبلغه في هذه الأرض إلا بجهد وكد، إن لم يكن جهد بدن وكد عمل، فهو جهد تفكير وكد مشاعر الواجد والمحروم سواء، إنما يختلف نوع الكدح، ولون العناء، وحقيقةُ الكدح هي المستقرةُ في حياة الإنسان، ثم النهاية في آخر المطاف إلى الله سواء.
يا أيها الإنسان إنك لا تجد الراحةَ في الأرض أبدًا، إنما الراحة هنالك لمن يقدم لها بالطاعة والاستسلام، التعب واحد في الأرض، والكَدْح واحد، وإن اختلف لونه وطعمه، أما العاقبة مختلفة عندما تصل إلى ربك، فواحد إلى عناء دونه عناء الأرض، وواحد إلى نعيم يمسح على آلام الأرض كأنه لم يكن كد ولا كدح.
يا أيها الإنسان الذي امتاز بخصائص الإنسان، ألا فاختَرْ لنفسك ما يليق بهذا الامتياز الذي خصك الله به، اختر لنفسك الراحة من الكدح حينما تلقاه؛ ولأن هذه اللمسة الكامنة في هذا النداء فإنه يصل بها مصير الكادحين حينما يصلنا إلى نهاية الطريق، ويلقون ربهم بعد الكدح والعناء: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِه * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا﴾.
والذي يؤتى كتابه بيمينه هو المرَضْي السعيد الذي آمَنَ وأحسنَ، فرضي الله عنه، وكتب له النجاة، وهو يُحاسب حسابًا يسيرًا، فلا يناقش ولا يدقق معه في الحساب، والذي يصور ذلك هو الآثار الواردة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفيها غَنَاء، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن نوُقِشَ الحساب عذِّب، قالت: قلت: أفليس قال الله تعالى: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾؟ قال: ليس ذلك بالحساب، ولكن ذلك العرض، من نُوقش الحساب يوم القيامة عذِّبَ)) أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.


الصفحة التالية
Icon