قال أبو سفيان بن حرب: "فقلت لأصحابي ونحن خروج: لقد أمِر أمْر ابن أبي كبشة" يعني: قد انتشر وذاع بين الناس، وظهرت علامات نصره وظهوره علينا، إن هرقل ليعظمه، وهرقل ملك بني الأصفر، يقول أبو سفيان: "وما زلت موقنًا بأن أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- سيظهر حتى أدخل الله عليَّ الإسلام وأنا كاره".
إذن هذه علامات صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث شهد له من لا يؤمن بأنه رسول، ومن لا يؤمن برسالته، وهو أبو سفيان كان ما زال على الكفر، شهد له بصدقه، وهذا يدل على أنه نبي.
ومما ينبغي أن يعرف أن ما يحصل في القلب بمجموع أمور قد لا يستقل بعضها به، بل ما يحصل للإنسان من شبع وشكر، وفرح وغم بأمور مجتمعة لا يحصل ببعضها، لكن ببعضها قد يحصل بعض الأمر، وكذلك العلم بخبر من الأخبار، فإن خبر الواحد يحصل للقلب نوع ظن، ثم الآخر يقويه إلى أن ينتهي إلى العلم حتى يتزايد ويقوى، وكذلك الأدلة على الصدق والكذب ونحو ذلك، وأيضًا فإن الله سبحانه أبقى في العالم الآثار الدالةَ على ما فعله بأنبيائه والمؤمنين من الكرامة، وما فعله بمكذبيهم من العقوبة كتواتر الطوفان، وإغراق فرعون وجنوده.
ولما ذكر سبحانه قصص الأنبياء نبيًّا بعد نبي في سورة الشعراء، كقصة موسى وإبراهيم ونوح ومن بعده -عليهم السلام- يقول تعالى في آخر كل قصة: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الشعراء: ٦٧، ٦٨) وبالجملة فالعلم بأنه كان في الأرض من يقول: إنه رسول الله وأن قومًا اتبعوه، وأن أقوامًا خالفوه، وأن الله نصر الرسل والمؤمنين، وجعل العاقبة لهم، وعاقب أعداءهم، هو من أظهر العلوم المتواترة وأجلاها ووضحها.