وكما كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- وكانا شابين قد أسلما لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة فكانا يَعْدُوان في الليل على أصنام المشركين يكسرانها ويتلفانها، ويتخذانها حطبًا للأرامل ليعتبر قومهما بذلك.
فكان لعمرو بن الجموح -وكان سيدًا في قومه- له صنم يعبده ويُطيبه، فكانا يجيئان في الليل فينكسانه على رأسه ويلطخانه بالعذرة، فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صُنع به فيغسله ويطيبه، ويضع عنده سيفًا ويقول له: انتصر، ثم يعودان إلى مثل ذلك، ويعودان إلى صنيعه أيضًا، حتى أخذاه مرة فقَرَناه -يعني: وضعاه- مع كلب ميت، ودلَّياه في حبل في بئر هناك، فلما جاء عمرو بن الجموح ورأى ذلك نظر فعلم أن ما كان عليه من الدين باطل، ثم أسلم فحسن إسلامه وقُتل يوم أُحد شهيدًا، رضي الله عنه وأرضاه، وجعل جنة الفردوس مأواه.
قوله: ﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ﴾ (الأعراف: ١٩٣) يعني: أن هذه الأصنام لا تسمع دعاء من دعاها، وسواء عندها أو لديها من دعاها ومن دحاها. كما قال إبراهيم -عليه السلام-: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾ (مريم: ٤٢) ثم ذكر تعالى أن الأصنام عبيد مثل عابديها، أي: مخلوقات مثلهم، بل الناس أكمل منها؛ لأن الناس يسمعون، الناس يبصرون، يبطشون، يدافعون عن أنفسهم إذا تعرضوا للأذى، وتلك لا تفعل شيئًا من ذلك.
وقوله: ﴿قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ﴾ (الأعراف: ١٩٥) استنصِروا بهؤلاء الشركاء عليَّ فلا تؤخروني طرفة عين، واجهدوا جهدكم. ﴿إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ (الأعراف: ١٩٦) أي: الله حسبي وكافي هو نصيري وعليه متكلي وإليه ألجأ، وهو وليي في الدنيا والآخرة، وهو ولي كل صالح بعدي.
وهذا كما قال هود -عليه السلام- لما قال له قومه: ﴿إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِي * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (هود: ٥٤ - ٥٦).