فأخرجوه فإذا هو سحر، فتناسختها الأمم، فأنزل الله تعالى عذر سليمان فيما قالوا من السحر". أخرجه الحاكم وصححه، وذكره الطبري عن السدي.
ولقد عبر القرآن الكريم عن السحر بالكفر فقال تعالى: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ وسياق اللفظ يدل على أن المراد منه السحر، أي: وما سَحر سليمان، وإنما عبر عنه بالكفر تقبيحًا وتشنيعًا، كما قال تعالى فيمن ترك الحج مع القدرة عليه: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: ٩٧).
وفي هذا التعبير تنفير للناس من السحر ودلالة على أنه من الكبائر الموبقات، بل هو قرين الكفر والإشراك بالله، وقد دل عليه قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾.
وكما اتبع رؤساء اليهود السحر والشعوذة كذلك اتبعوا ما أنزل على الرجلين الصالحين، أو الملكين هاروت وماروت بمملكة بابل، فقد أنزلهما الله تعالى إلى الأرض لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس، وما يُعلِّمان السحر من أجل السحر، وإنما من أجل إبطاله؛ ليظهر للناس الفرق بين المعجزة والسحر، ولله أن يبتلي عباده بما شاء، كما امتحن قوم طالوت بالنهر، وقد كثر السحر في ذلك الزمان، وأظهر السحرة أمورًا غريبة وقع بسببها الشك في النبوة، فبعث الله تعالى الملكين لتعليم أبواب السحر؛ حتى يزيلا التشبيه للمعجزة ويميطا الأذى عن الطريق، ومع ذلك فقد كانا يحذران الناس من تعلم السحر، واستخدامه في الأذى والضرر.
فمن تعلمه ليتوقى ضرره ويدفع أذاه عن الناس، فقد نجا وثبت على الإيمان، ومن تعلمه معتقدًا صحته ليلحق الأذى بالناس فقد ضل وكفر، فكان الناس فريقين؛ فريق تعلمه عن نية صالحة ليدفع ضرره عن الناس، وفريق تعلمه عن نية خبيثة؛ ليفرق بين الرجل وأهله، وبين الصديق وصديقه، ويوقع العداوة والبغضاء بين الناس، وهؤلاء قد خسروا دنياهم وآخرتهم؛ لأنهم عرفوا أن من