اشتمال الصلاة على جميع أساليب التعظيم:
شرع الله الصلاة اعترافًا بنعمته وعظمته، وجمع في كيفيتها جميع ما تفرق عند الناس من أساليب التعظيم، فجعل افتتاحها بإعلان أن الله أكبر من كل ما يرون تعظيمه، مصحوبًا ذلك برفع اليدين معًا، على وجه يُمثل فيه وضعهما المعنوي الذي استقر في القلب، حينما ينطلق اللسان بكلمة التكبير.
ثم جَعل مِن أركانها القيام المصحوب بتلاوة آيات من كتابه، وأوجب في كل صلاة وعلى كل مصلي قراءة "الفاتحة"، التي تعتبر أم الكتاب، وقد جَمعت كل ما تفرق في القرآن نصًّا وإشارة.
ثم الانحناء المعروف باسم الركوع، مصحوبًا بالتكبير في الانخفاض والرفع، ثم يجيء السجود نهاية لما يتصوره من وجوه التعظيم، وبذلك يكون العبد قد وقف من ربه في موضع العبودية الحقة، وكأن الله بأسلوب تعظيمه على هذا الوجه يلفت نظر المؤمنين، إلى أن تعظيمه يجب بمقتضى الإيمان بربوبيته وألوهيته، أن يكون فوق كل تعظيم عرفه الناس في تعظيم بعضهم لبعض.
وأن هذه الصورة من التعظيم التي رسمها الله لنفسه لا يصح أن يُعظم بها غيره، كما لا يصح أن ينتقصها المؤمن، أو أن يُغير شيئًا من أوضاعها أو أن يزيد فيها، فهو سبحانه المعبود وهو المعظم، وقد شرع لنا طريق عبادته وأسلوب تعظيمه، وليس لأحد من خلقه أن يفكر أو يستظهر شيئًا غير ما رسمه في تعظيمه بزيادة أو نقص.
ولعل هذا هو الأساس الذي بني عليه حظر الابتداع في الدين، وفي سبيله كثرت الأحاديث الصحيحة في التحذير من البدع، التي ينساق إليها الناس، بناء على ما يتصورون من الزيادة في معنى العبودية.


الصفحة التالية
Icon