الله عليه، والواقع أن هذا بيان للصوم بالنسبة إلى مظهره، وإلى الجانبالسلبي منه فقط، وكلا الأمرين -المظهر والجانب السلبي- لا يُكونان حقيقة الصوم، الذي كلف الله به عباده وفرضه عليهم، فإن الله سبحانه بدأ آية الصوم بقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وختمها بقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ وبقوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ وفيما بين البدء والختام أمر بالصوم ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾.
وليس من ريب في أن النداء بوصف الإيمان أولًا، وهو أساس الخير، ومنبع الفضائل، وفي ذكر التقوى آخرًا -وهي روح الإيمان وسر الفلاح- إرشاد قوي، ودلالة واضحة على أن الصوم المطلوب ليس مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، وإنما هو الإمساك عن كل ما ينافي الإيمان، ولا يتفق وفضيلة التقوى والمراقبة.
وإذًا فالذي يتجه إلى غير الله بالقصد والرجاء لا صوم له، والذي يفكر في الخطايا ويشغل نفسه بتدبير الفتن والمكائد ويحارب الله ورسوله في جماعة المؤمنين لا صوم له، والذي يطوي قلبه على الحقد والحسد والبغض لجمع كلمة الموحدين، والعمل على تفريقهم وإضعاف سلطانهم -لا صوم له، والذي يحابي الظالمين ويجامل السفهاء، ويعاون المفسدين لا صوم له، والذي يستغل مصالح المسلمين العامة، ويستعين بمال الله على مصالحه الشخصية، ورغباته وشهواته، لا صوم له، وكذلك من يمد يده أو لسانه، أو جارحة من جوارحه بالإيذاء لعباد الله، أو إلى انتهاك حرمات الله لا صوم له.
فالصائم ملاك في صورة إنسان، لا يكذب ولا يرتاب ولا يرشي، ولا يدبر في اغتيال أو سوء، ولا يخادع، ولا يأكل أموال الناس بالباطل، هذا هو معنى