هي صورة التراحم المطلوبة، وبجانبها صورة مظلمة، هي صورة الاستغلال الممقوتة؛ كي يمعن الناظرون للآثار الطيبة لصورة التراحم والآثار السيئة لصورة الاستغلال، فيكون لهم من هذا الوضع ما يردهم عن احترام صورة الاستغلال إلى احترام صورة التراحم، وبذلك تتحقق إنسانيتهم الفاضلة، ويسيرون في الحياة بخطوات متزنة في البناء والتشييد، فينعمون بالحياة، وتنعم بهم الحياة.
ومن هنا لا نكاد نجد آية من آيات التحذير عن مبادئ الاستغلال إلّا وبجانبها آية أو آيات تُعلي من شأن البذل والمعونة والتراحم، وإن شئتَ فاقرأ قال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: ٢٦١) إلى الآية: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (البقرة: ٢٨٠).
واقرأ من: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: ١٣٠) إلى الآية: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: ١٣٤).
واقرأ من قول الله تعالى: ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ (الروم: ٣٨، ٣٩).
اقرأ هذا كله بعين البصيرة، وتدبره بروح الإيمان الصادق، تعرف الهدف الذي لأجله حرّم القرآن الربا وأكل أموال الناس بالباطل، وسد أبوابه، وأحكم السد على أهله وأتباعه، وتعرف أنه هدف يتصل اتصالًا وثيقًا ببناءِ المجتمع بناءً متينًا، تتفاعل وَحداته بإحساس واحد واتجاه واحد وغاية واحدة، وليس غير هذا المجتمع يريد الله -سبحانه وتعالى-.