أنواع الأدلة القرآنية على توحيد الله:
النوع الأول: الأدلة الحسية أو الكونية: وهذا النوع الذي يستخدم فيه القرآن الكريم الكائنات؛ للدليل على وجود الله تعالى ووحدانيته، وسعة قدرته وعظيم حكمته، والقرآن الكريم يتخذ كل شيء في الكون دليلًا لذلك، خاصة وجود الكون من العدم، وانتظامه على قوانين مطردة، ونواميس محكمة، وقيامه على غاية التدبير، والتكامل بين أجزائه، والعناية بما فيه من عجائب الأشياء والأحياء.
وفي كل هذا يتجه القرآن الكريم إلى الإنسان، مخاطبًا قلبه وفكره، ومطالبًا أن يتأمل بحسه هذه الموجودات؛ لينتقل من ملاحظاتها في أوضاعها المختلفة إلى ما وراءها، وليدرك من هذه المقدمات الحسية البدهية نتائجها القاطعة، فيعلم أن لهذا الكون ربًّا موحدًا وإلهًا واحدًا، مطلق القدرة والإرادة، واسع العلم والحكمة، متفردًا باستحقاق العبادة والطاعة.
وبذلك يدور الدليل بين السمع والبصر، والفكر والنظر، والمقدمات البدهية القريبة والنتائج السهلة المسلَّمة.
هذا النوع على سهولته ويسره هو أقوى أنواع الأدلة، وأقربها إلى القلوب والنفوس، وأعظمها في التأثير والإقناع؛ لدلالته على المطلوب ذاته ومن أقصر سبيل، بخلاف أدلة الفلاسفة والمتكلمين، التي تدل على المطلوب دلالة ناقصة، وتحتاج مقدماتها إلى برهنة واستدلال في الغالب، بل قد تحتاج النتائج نفسها إلى دليل آخر خارج عنها، مما يُعَقِّد الاستدلال لطول مقدماته، وكثرة وسائطه، وصعوبة طرقه على أكثر الناس.
وذلك كاستدلالهم بحدوث العالم على أن له محدثًا، ويستدلون على حدوث العالم بتقسيمه إلى جواهر وأعراض، ثم يثبتون حدوث كل منها بمقدمات طويلة، وكل هذا ينتهي إلى أن للعالم محدثًا.


الصفحة التالية
Icon