ومعنى الآية الكريمة: ليس معه تعالى من إله، ولو سُلِّم جدلًا أن معه إلهًا لزم من ذلك التسليم ذهاب كل إله من الاثنين بما خلق، واستعلاء بعضهم على بعض؛ فلا يتم في العالم أمر، ولا ينفذ حكم، ولا تنتظم أحواله، والواقع المشاهد خلاف ذلك، ففرض الإلهين صاعدًا محال؛ لما يلزم عليه من المحال.
رابعًا: الشرك ظنون وأوهام: في ختام هذا الاستدلال على صحة التوحيد، يبرز القرآن العظيم وجهًا آخر من وجوه الاستدلال، حين يُطالب المشركين ويتحدَّاهم أن يقيموا دليلًا واحدًا مِن أي نوع، على صحة عقيدتهم، فلا يستطيعون، بل لا يملكون إلا التعلق بالظنون والأوهام، والاحتجاج بفعل آبائهم الذين قال عنهم القرآن: ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُون﴾ (البقرة: ١٧٠).
ومن هذا التحدي الشامل قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِين﴾ (الأحقاف: ٤). أي أن الآلهة التي تعبدونها لم تخلق شيئًا في الكون، وليس عليها دليل من كتب الله المنزلة، ولا بقية من أثر على صاحبها، وإن ادعيتم شيئًا من ذلك فأتوا به إن كنتم صادقين، ولما كانوا عاجزين على إتيان ذلك، بيّن القرآن الكريم حقيقة عقائدهم، وأنها مجرد ظنون فاسدة. قال تعالى: ﴿يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ (آل عمران: ١٥٤).
ويقول عن أصنامهم: ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى﴾ (النجم: ٢٣).


الصفحة التالية
Icon