فأما مرتبة العلم فإن الشهادة تضمنتها ضرورة، وإلا كان الشاهد شاهدًا بما لا علم له به. قال تعالى: ﴿إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُون﴾ (الزُّخرُف: ٨٦).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وعلى مثلها فاشهد" هذا الحديث ضعيف لأنه في إسناده العقيلي، والعقيلي في الضعفاء.
وأما مرتبة التكلم والخبر قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلاَئِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُون﴾ (الزُّخرُف: ١٩). فجعل ذلك منهم شهادة، وإن لم يتلفظوا بلفظ الشهادة ولم يؤدّوها عند غيرهم.
وأما مرتبة الإعلام والإخبار فنوعان: إعلام بالقول وإعلام بالفعل، وهذا شأن كل معْلم لغيره بأمر، تارة يُعْلمه به بقوله، وتارة بفعله، ولذلك كان من جعل داره مسجدًا وفتح بابها، وأفردها بطريقها وأَذن للناس بالدخول والصلاة فيها، معْلمًا أنها وقف وإن لم يتلفظ به، وكذلك من وُجد متقربًا إلى غيره بأنواع المسار يكون معلمًا له ولغيره أنه يحبه، وإن لم يتلفظ بقوله، وكذلك بالعكس.
وكذلك شهادة الرب -عز وجل- وبيانه وإعلامه، يكون بقوله تارة وبفعله أخرى، فالقول ما أرسل به رسله وأنزل به كتبه، وأما بيانه وإعلامه بفعله كما قال ابن كيسان: "شهد الله بتدبيره العجيب".
والمقصود من قوله: ﴿شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ﴾ المقصود أنه سبحانه يشهد بما جعل آياته المخلوقة دالة عليه، ودلالتها إنما هي بخلقه وجعله. ويستدل أيضًا بأسمائه وصفاته على وحدانيته وعلى بطلان الشرك، كما في قوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُون﴾ (الحشر: ٢٣) وأضعاف ذلك في القرآن.


الصفحة التالية
Icon