من هذه الفوائد لخلق إبليس، لو كان الناس كلهم مؤمنين لتعطلت هذه العبودية وتوابعها، مِن الموالاة لله سبحانه والمعاداة فيه، وعبودية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعبودية الصبر ومخالفة الهوى، وإيثار محاب الله تعالى، وعبودية التوبة والاستغفار، وعبودية الاستعاذة بالله أن يجيره من عدوه، ويعصمه من كيده وأذاه... إلى غير ذلك من الحكم التي تعجز العقول عن إدراكها.
فإن قيل: هل كان يمكن وجود تلك الحكم بدون هذه الأسباب؟ هذا سؤال فاسد، وهو فرض وجود الملزوم بدون لازمه، كفرض وجود الابن بدون الأب، والحركة بدون المتحرك، والتوبة بدون التائب.
فإن قيل: إذا كانت هذه الأسباب مرادة لما تفضي إليه من الحكم، فهل تكون مرضية محبوبة من هذا الوجه، أم هي مسخوطة من جميع الوجوه؟ قيل: هذا السؤال يرد على وجهين:
أحدهما: مِن جهة الرب تعالى، وهل يكون محبًا لها من جهة إفضالها إلى محبوبه، وإن كان يبغضها لذاتها.
والثاني: مِن جهة العبد، وهو أنه هل يسوغ له الرضا بها من تلك الجهة أيضًا، فهذا سؤال له شأن.
إرادة الله سبحانه في الكون، ومسألة الاحتجاج بالقدر
كل ما يحدث في الكون فهو بإرادته سبحانه: وهذا ردٌّ لقول القدرية والمعتزلة؛ فإنهم زعموا أن الله أراد الإيمان من الناس كلهم، والكافر أراد الكفر. وقولهم فاسد مردود لمخالفته الكتاب والسنة والمعقول الصحيح، وهؤلاء سُمّوا قدرية لإنكارهم القدر، وكذلك تسمى الجبرية المحتجون بالقدر قدرية أيضًا، والتسمية على الطائفة الأولى أغلب.