وأما الإرادة الكونية فهي الإرادة المذكورة في قول المسلمين: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، والفرق ثابت بين إرادة المريد أن يفعل، وبين إرادته من غيره أن يفعل، فإذا أراد الفاعل أن يفعل فعلًا فهذه الإرادة المعلقة بفعله، وإذا أراد من غيره أن يفعل فعلًا فهذه الإرادة لفعل الغير، وكلا النوعين معقول للناس، والأمر يستلزم الإرادة الثانية دون الأولى. فالله تعالى إذا أمر العباد بأمر فقد يريد إعانة المأمور على ما أَمر به، وقد لا يريد ذلك، وإذا كان مريدًا منه فَعله.
وتحقيق هذا مما يبيّن فصل النزاع في أمر الله تعالى هل هو مستلزم لإرادته أم لا؟ فهو سبحانه أمر الخلق على ألسن رسله -عليهم السلام- بما ينفعهم، ونهاهم عما يضرهم، ولكن منهم من أراد أن يَخلق فعله، فأراد سبحانه أن يَخلق ذلك الفعل ويجعله فاعلًا له، ومنهم من لم يرد أن يخلق فعله، فجهة خلقه سبحانه لأفعال العباد وغيرها من المخلوقات، غير جهة أمره للعبد على وجه البيان لما هو مصلحة للعبد، أو مفسدة.
وهو سبحانه إذا أمر فرعون وأبا لهب وغيرهما بالإيمان، كان قد بيّن لهم ما ينفعهم ويصلحهم إذا فعلوه، ولا يلزم إذا أمرهم أن يعينهم، بل قد يكون في خلقه لهم ذلك الفعل وإعانتهم عليه وجه مفسدة، من حيث هو فعل له، فإنه يخلق ما يخلق لحكمة، ولا يلزم إذا كان الفعل المأمور به مصلحة للمأمور إذا فعله، أن يكون مصلحة للآمر إذا فعله هو، أو جعل المأمور فاعلًا، فأين جهة الخلق من جهة الأمر.
فالواحد من الناس يأمر غيره وينهاه، مريدًا لنصحه ومبينًا لما ينفعه، وإن كان مع ذلك لا يريد أن يعينه على ذلك الفعل؛ إذ ليس كل ما كان مصلحتي في أن آمر به غيري وأنصحه يكون مصلحتي في أن أعاونه أنا عليه، بل قد تكون مصلحتي


الصفحة التالية
Icon