ماذا يقول أهل السنة في احتجاج آدم بالقدر؟
هذا الحديث تلقاه أهل السنة بالقبول والسمع والطاعة؛ لصحته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يتلقاه أهل السنة بالرّدّ والتكذيب كما فعلت القدرية، ولا أيضًا يتلقاه أهل السنة بالتأويلات الباردة، بل الصحيح أن آدم لم يحتجّ بالقضاء والقدر على الذَّنب، وهو كان أعلم بربه وذنبه، بل آحاد بنيه من المؤمنين لا يَحتج بالقدر، فإنه باطل.
وموسى -عليه السلام- كان أعلم بأبيه وبذنبه من أن يلوم آدم -عليه السلام- على ذنب قد تاب منه، وتاب الله عليه، واجتباه وهداه، وإنما وقع اللوم على المصيبة التي أخرجت أولاده من الجنة، فاحتج آدم -عليه السلام- بالقدر على المصيبة لا على الخطيئة.
فإن القدر يُحتجّ به عند المصائب لا عند المعايب، وهذا المعنى أحسن ما قيل في الحديث، فما قُدِّر من المصائب يجب الاستسلام له، فإنه من تمام الرضا بالله ربًّا، وأما الذنوب فليس للعبد أن يُذنب، وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب، فيتوب من المعايب ويصبر على المصائب.
قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾ (غافر: ٥٥). وقال تعالى: ﴿وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا﴾ (آل عمران: ١٢٠).
وأما قول إبليس: ﴿رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي﴾ (الحجر: ٤٠) إنما ذُمَّ على احتجاجه بالقدر، لا على اعترافه بالقدر وإثباته له، ألم تسمع قول نوح -عليه السلام: ﴿وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون﴾ (هود: ٣٤). ولقد أحسن القائل:
فما شئت كان وإن لم أشأ | وما شئت إن لم تشأ لم يكن |
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.