بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الخامس
(الإيمان بالقدر (٣))
الإضلال والهداية
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعد:
فأول ما نتحدث في هذا الدرس نتحدث عن قوله تعالى: ﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء﴾ (المدثر: ٣١).
المعتزلة يقولون: الهُدى من الله بيان طريق الصواب، والإضلال تسمية العبد ضالًّا، أو حكمه تعالى على العبد بالضلال عند خلق العبد الضلال في نفسه، وهذا مبني على أصلهم الفاسد أن أفعال العباد مخلوقة لهم!.
والدليل على أن الله يهدي مَن يشاء ويعصم ويعافي فضلًا، ويضل مَن يشاء ويخذل ويبتلي عدلًا، الدليل على ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾ (القصص: ٥٦).
ولو كان الهدى بيان الطريق لما صح هذا النفي عن نبيه -صلى الله عليه وسلم- لأنه -صلى الله عليه وسلم- بين الطريق لمن أحب وأبغض، والدليل أيضًا قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ (السجدة: ١٣) وقوله تعالى: ﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء﴾ (المدثر: ٣١).
ولو كان الهدى من الله البيان، وهو عام في كل نفس لما صح التقييد بالمشيئة، وكذا قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِين﴾ (الصافات: ٥٧) وقوله تعالى: ﴿مَن يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم﴾ (الأنعام: ٣٩) الناس جميعًا يتقلبون في مشيئة الله بين فضله وعَدْله، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ﴾ (التغابن: ٢) فَمَن هداه إلى الإيمان فبفضله وله الحمد، ومن أضله فبعدله وله الحمد.
الله -سبحانه وتعالى- لا رادَّ لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره، فلا يرد قضاء الله راد، ولا يؤخر حكمه مؤخر، ولا يغلب أمره غالب، بل الله الواحد القهار.


الصفحة التالية
Icon