كله مما يدخل في التكذيب بالقدر، وأما قدرة الله على كل شيء فهو الذي يكذب به القدرية جملة حيث جعلوه لم يخلق أفعال العباد، فأخرجوها عن قدرته وخلقه، والقدر الذي لا ريب في دلالة الكتاب والسنة والإجماع عليه وأن الذي جحدوه هم القدرية المحضة بلا نزاع، هو ما قدره الله من مقادير العباد.
وعامة ما يؤخذ من كلام الصحابة والأئمة في ذم القدرية يعني به هؤلاء، كقول ابن عمر -رضي الله عنهما- لما قيل له: يزعمون أنه لا قدرَ، وأن الأمر أُنف -أي: مستأنف- قال: "أخبرهم أني منهم بريء، وأنهم مني برءاء".
والقدر الذي هو التقدير المطابق للعلم يتضمن أصولًا عظيمة:
أحدها: أنه عالم بالأمور المقدرة قبل كونها، فيثبت علمه القديم، وفي ذلك الرد على من ينكر علمه القديم.
الثاني: أن التقدير يتضمن مقادير المخلوقات، ومقاديرها هي صفاتها المعينة المختصة بها، فإن الله قد جعل لكل شيء قدرًا، قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ (الفرقان: ٢) فالخلق يتضمن التقدير تقدير الشيء في نفسه بأن يجعل له قدر، وتقديره قبل وجوده، فإذا كان قد كتب لكل مخلوق قدره الذي يخصه في كميته وكيفيته كان ذلك أبلغ في العلم بالأمور الجزئية المعينة خلافًا لمن أنكر ذلك، وقال: إنه يعلم الكليات دون الجزئيات، فالقدر يتضمن العلم القديم والعلم بالجزئيات.
الثالث: أنه يتضمن أنه أخبر بذلك وأظهره قبل وجود المخلوقات إخبارًا مفصلًا، فيقتضي أنه يمكن أن يعلم العباد الأمور قبل وجودها علمًا مفصلًا، فيدل ذلك بطريق التنبيه على أن الخالق أولى بهذا العلم فإنه إذا كان يعلم عباده بذلك، فكيف لا يعلمه هو!
الرابع: أنه يتضمن أنه مختار لما يفعل، محدث له بمشيئته وإرادته ليس لازمًا لذاته.