وفرق سبحانه بين الحسنات التي هي النعم، وبين السيئات التي هي المصائب، فجعل هذه من الله وهذه من نفس الإنسان؛ لأن الحسنة مضافة إلى الله إذ هو أحسن بها من كل وجه، فما من وجه من وجوهها إلا وهو يقتضي الإضافة إليه، وأما السيئة فهو إنما يخلقها لحكمة، وهي باعتبار تلك الحكمة من إحسانه، فإن الرب لا يفعل سيئة قط، بل فعله كله حسن وخير.
ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في الاستفتاح: ((والخير كله بيديك، والشر ليس إليك)) أخرجه مسلم. أي فإنك لا تخلق شرًّا محضًا، بل كل ما تخلقه ففيه حكمة هو باعتبارها خير، ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس، فهذا شر جزئي إضافي، فأما شر كلي أو شر مطلق، فالرب سبحانه وتعالى منزه عنه، وهذا هو الشر الذي ليس إليه، ولهذا لا يضاف الشر إليه مفردًا قط، بل إما أن يدخل في عموم المخلوقات كقوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ (الزُّمَر: ٦٢) وقوله: ﴿كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ﴾.
وإما أن يضاف إلى السبب كقوله: ﴿مِن شَرِّ مَا خَلَق﴾ (الفَلَق: ٢) وإما أن يحذف فاعله كقول الجن: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ (الجن: ١٠) وليس إذا خلق ما يتأذى به بعض الحيوان لا يكون فيه حكمة، بل لله من الرحمة والحكمة ما لم يقدر قدره إلا الله، وليس إذا وقع في المخلوقات ما هو شر جزئي بالإضافة يكون شرًّا كليًّا عامًّا، بل الأمور العامة الكلية لا تكون إلا خيرًا ومصلحة للعباد، كالمطر العام وكإرسال رسول عام.
وهذا مما يقتضي أنه لا يجوز أن يؤيد كذابًا عليه بالمعجزات التي أيد به الصادقين، فإن هذا شر عام للناس يضلهم، فيفسد عليهم دينهم ودنياهم وأخراهم، وليس هذا كالملك الظالم والعدو، فإن الملك الظالم لا بد أن يدفع الله به من الشر أكثر