اتحاد المخارج للهاء والهمزة، فهي من حروف الحلق كما تعلم، هذا نوع أيضًا من الجناس، الأعمق من لفظ الجناس ما هو معروف في علم البديع؛ لأن هذا الجناس موجود في كلام الشعراء موجود في كلام الأدباء والخطباء، الظاهر الذي يجذبك والذي يشعرك بأهمية استخدام الحرف في القرآن ما يُسمى بالتجانس، الذي يتلخص في صورتين أو في ضربين ما يُسمى بالمزاوجة وما يسمى بالمناسبة بين الحروف التي تستخدم، هذا يكون في الكلام الذي يجمعه أصل واحد، يعني يجمعه مادة لغوية واحدة يتكون منها، تجد اللفظ هو اللفظ، ولا نستطيع أن نقول: إنه ضرب من ضروب الجناس، وإنما هو ضرب من ضروب المزاوجة في اللفظ، كقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُم﴾ (البقرة: ١٩٤).
اعتدى /اعتدوا /بمثل ما اعتدى؛ تلحظ أيها الابن الكريم تكرار كلمة اعتدى ومقابلتها بكلمة فاعتدوا عليه فلك أن تتساءل: هل أخذ الحق اعتداء؟ هل عندما تقابل الاعتداء بالاعتداء فأنت بذلك تكون معتديًا على من اعتدى عليك؟ هذا يسأله من ينظر في الكلام فيُقال له: لا، وإنما هو جاء على سبيل المزاوجة، والمزاوجة هي من الجزاء بمعنى أنه استعير لفظ الاعتداء للثاني لتأكيد الدلالة على المساواة في المقدار، فجاء على مزاوجة الكلام بحسن البيان، فالله -سبحانه وتعالى- جازاهم بما يستحقون لأنهم اعتدوا فيجازون بالاعتداء، فإنما استعير للفظ الثاني وكان حقيقة في الأول يعني في المعنى الأول اعتدى فهو معتدي على الحقيقة وأنت في الثانية ليس معتديًا، وإنما استعير اللفظ لما يسمى المساواة في المقدار ولبيان أن ذلك جزاء لما أُحدث.