على كثرة ترداده ملالة ولا سأم، بل لا تفتأ تطلب منه المزيد، هذا الجمال التوقيعي في لغة القرآن لا يخفى على أحدٍ ممن يسمع القرآن، حتى الذين لا يعرفون لغة العرب، فكيف يخفى على العرب أنفسهم؟!
انظر -رحمك الله- لكلام الشيخ، هو يريد أن يصل بك إلى أن تقسيم الحركات والسكنات وضبط الحروف وهذه الحركات، أحدث في القرآن ما هو فوق ما يعرفه العرب في نظم أشعارهم؛ مما يسمى بالأسباب والأوتاد، أنت درست في مادة العروض تكوين أشعار العرب من فواصل "فاصلة صغرى وفاصلة كبرى" وهذه الفواصل تتكون من أوتاد وأسباب، وتد مجموع أو مفروق وسبب خفيف أو ثقيل، كما هو معروف في هذا العلم، الحركة يتبعها ساكن يطلق عليها سبب خفيف، إذا توالت حركتان يطلق عليها سبب ثقيل، إذا توالت حركتان تبعهما ساكن كانت وتد مجموع، إذا فصل بين متحركين ساكن كان وتدًا مفروقًا، إذا كانت مكونة من سببين ثقيل وخفيف كانت فاصلة صغرى، وإذا كانت مكونة من سبب ثقيل ووتد مجموع كانت فاصلة كبرى، هذا التكوين في أشعار العرب وفي كلامهم.
انظر إلى القرآن تجد بتقسيمه الحركات والسكنات فاق هذا الكلام الموزون الذي يحرصون كل الحرص على ضبط إيقاعه وعلى إخراجه، فقامت الحركات بهذا الدور الرائع في بيان اتساق ألفاظ القرآن ومفرداته وكلامه، حتى إنك أول شيء تحسه أو تشعر به أذنك في نظم القرآن هو ذلك النظام الصوتي البديع الذي قُسّمت فيه الحركة والسكون تقسيمًا منوعًا يجدد نشاط السامع لسماعه، ووزعت في تضاعيفه حروف المد والغنة توزيعًا بالقسط، يساعد على ترجيع الصوت به، وتهادي النفَس فيه آنًا بعد آن إلى أن يصل إلى الفاصلة الأخرى، فيجد عندها راحته العظمى، عندما تقف على رأس الآية، هذا لا تجده في أجود أشعار


الصفحة التالية
Icon