عرف الكلام أو في عرف البلاغيين كلمة طويلة، أما عند النحاة -كما تعرف- فهي كلمات؛ لأنهم يقسّمون الكلمة إلى اسم وفعل وحرف، فهي جمل وليست كلمة، أما أهل البلاغة ينظرون إليها لما اتصالها في النطق ككلمة واحدة.
فإذا نظرت إلى هذه الألفاظ التي عدد حروفها كثير ومقاطعها قد تكون مثقلة بطبيعة الوضع أو التركيب- إذا نظرت إليها في القرآن تجدها خرجت مخرجًا آخر، فخرجت من أخصر الألفاظ حلاوة وأعذبها منطقًا وأخفها تركيبًا؛ إذ ترى القرآن قد هيئ لها أسبابًا عجيبة من تكرار الحروف وتنوع الحركات، انظر: ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ (النور: ٥٥) كلمة من عشرة أحرف وقد جاءت عذوبتها من تنوع مخارج الحروف، ومن نظم حركاتها؛ فإنها بذلك صارت في النطق كأنها أربع كلمات، إذ تنطق على أربعة مقاطع ليس/ تخ/ لفن/ نهم؛ هذا التقسيم مقاطع، هو يشير كما أشار الدكتور دراز لموضوع الأسباب والأوتاد التي يقاس بها أوزان الشعر المقطع ينتهي عند الساكن: ليس/ تخ/ لفن/ نهم، فصارت الكلمة كأربع كلمات بأربعة مقاطع، فأعطاها جمالًا وسهولة وعذوبة في النطق، وكذلك قوله تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّه﴾ فإنها كلمة من تسعة أحرف وهي ثلاثة مقاطع، وقد تكررت فيها الياء والكاف، وتوسط بين الكافين هذا المد الذي هو سر الفصاحة في الكلمة كلها.
وهذا مظهر من مظاهر النسق الصوتي في القرآن الكريم.
مظهر آخر من مظاهر النسق الصوتي في القرآن الكريم: استخدام الألفاظ مع أصولها، بمعنى أنت لو نظرت للكلمات المستخدمة في القرآن الكريم، تجد عربيها يدور بين الثلاثي والرباعي؛ أي ثلاثي الأصول ورباعي الأصول، ولا تجد كلمة ذات أصول خماسية، مثل: غضنفر وسفرجل، هذه الكلمات الخماسية الأصول لا تجد مثلها في القرآن، فتجد القرآن يستخدم الأصول الثلاثية والرباعية، فهذه