النون في الكلمة الفاصلة وهي أن في قوله: "أن جاء" ﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ﴾ تفصل معك في السمع بين فَلَمَّا جَاء، هذا الفاصل بأن مع الغنة في النون يشعر لك بشيئين: بعد المسافة هذا شيء، وإشارة إلى البعد المكان بين يوسف ويعقوب -عليهما السلام- والإشارة الثانية في الغنة لطرب يعقوب -عليه السلام- بمجيء البشير بقميص يوسف؛ لأنه كما هو معلوم من سياق الآيات يعلم أن ابنه حي وأنه يجد ريحه: ﴿إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ﴾ (يوسف: ٩٤).
وعلى هذا يجري كل ما ظُن أنه في القرآن مزيد؛ فإن اعتبار الزيادة فيه وإقرارها بمعناها إنما هو نقص يَجل القرآن عنه، وليس يقول بذلك إلا رجل يعتسف الكلام، ويقضي فيه بغير علمه ولا بعلم غيره، الذي يدعي هذا الكلام يرد عليه القول بالزيادة كما قلت: أنه لا يقصد بالطبع زيادة في المعنى، حاشا لله.
فهذا مظهر أيضًا من مظاهر النسق الصوتي.
مظهر آخر جميل ذُكر في النسق الصوتي: وهو في استخدام الأسماء الجامدة داخل الجمل، أسماء ترتبها، أي فصاحة وبيان وبلاغة وروعة تجدها مثل الذي تجدها في تنسيق القرآن وترتيب الكلمات، كلمات تأتي إثر بعضها، وبها من البلاغة والروعة ما يتأمله ويتنبه إليه من تنبه، كما ذكر الإمام ابن تيمية -رحمه الله، هذا الترتيب وهذا النسق العجيب يُضرب له مثال بقوله تعالى: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ﴾ (الأعراف: ١٣٣).
خمسة أسماء؛ "طوفان جراد قمل ضفادع دم" لو نظرت فيها تجد أن فيها الثقيل وفيها الضعيف، فيها الخفيف وفيها الثقيل، الخفيف مثل الطوفان الجراد


الصفحة التالية
Icon