كذلك الواو من الحروف التي تعطف مشتركين، لا يُكتفى بالكلام على أحدهما يمثل لها بقولهم: اختصم محمد وعلي، أو اشترك علي وأخوه؛ فإن الاشتراك والاختصام لا يكون إلا بين اثنين، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ (التوبة: ١٠٢) فالخلط كان بين العملين؛ لذلك خطّأ الأصمعي امرأ القيس عندما قال: "بين الدخول فحومل" فقال: "الصواب أن يقول: "وحومل". ولكنه رد عليه بأشياء من تناوب هذه الحروف ومن التأويل، أو التضمين الذي يسوغ لمن يستخدم الحرف أن يأتي بحرف يؤدي أداء أخيه مما ينتسب إلى فصيلة واحدة من الأدوات.
كذلك الواو تعطف بين المترادفين: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ (المائدة: ٤٨)، ﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ (يوسف: ٨٦)، ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ (طه: ١٠٧) ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ (البقرة: ١٥٧) فالعطف هنا لا يكون إلا بالواو، كذلك تعطف عاملًا محذوفًا، مع بقاء معموله هذه قضية نحوية يستشهد لها بآيتين بقول الله -سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ﴾ (الحشر: ٩) فالدار تُتبوأ، أما الإيمان لا يُتبوأ، فيقولون: التقدير تبوءوا الدار واعتقدوا الإيمان، وكذلك في قوله تعالى: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ (يونس: ٧١) فلا يقال: أجمِعوا شركاءكم، إنما يقال: اجمعوا شركاءكم، فالتقدير: أجمعوا أمركم واجمعوا شركاءكم، هذا أيضا يكون بالعطف بالواو، كذلك جواز العطف بها على الجوار، وذلك في القراءة المشهورة المتواترة "وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ" بجر الأرجل، وكذلك في القراءة الأخرى المتواترة ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ (الواقعة: ١٨).... ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ (الواقعة: ٢٢) فهذا دليل على جواز العطف على الجوار وإن اعترضه بعض النحاة ورفضوه، إلا أنه مخرج سهل لهاتين القراءتين المتواترتين.