وأخيرًا، قالوا: الفاء تأتي بمعنى ثم: أرباب الفصاحة والبلاغة يقرون أن الفاء فيها مهلة، ولكنها ليست كـ ثم، يعني الفاء ترتيب وثم ترتيب، ويفرقون بينهما بأن الفاء للتعقيب وثم للتراخي، أي هناك مهلة وفترة. والتدقيق أن الفاء أيضا فيها مهلة وفيها فترة، ولكنها ليست كثم، فبحد عبارة الزمخشري: "وتنفرد ثم بالمهلة وقد يكون مع الفاء مهلة"، الآية قول الله -سبحانه وتعالى: ﴿ثُمّ إِلَى رَبِّكِمْ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (الزمر: ٧)، وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام: ٦٠) ﴿فَيُنَبِّئُكُمْ﴾ ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ﴾ فتعاورت الفاء وثم على الموضعين، ويستدل بوقوع الفاء محل ثم، بقوله تعالى أيضا: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا﴾ (المؤمنون: ١٤) ومعلوم أن هناك فرقا زمنيا بين هذه المراحل في تكوين الجنين.
حروف العطف (ثم، أو، أم، بل، لكن، لا)
ننتقل الآن للحرف الثالث وهو "ثم":
"ثم" اشتهر أنها للترتيب والتراخي، فتأتي للزمان المتراخي أي فيه مهلة بينه وبين ما قبله كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ﴾ (عبس: ٢٢)، وقوله تعالى: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (الزمر: ٤٤)، ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ (البقرة: ٩٢)، ﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾ (الشعراء: ٨١)، ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ﴾ (البقرة: ٣١) فهنا دلالة في أن "ثم" تستخدم للتراخي.