ذلك؛ لأنها فيما ذكر حرف ابتداء وليست عاطفة، فالتقدير: بَلْ أنتم تؤثرون الحياة الدنيا، وكذلك ﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ﴾ فالعاطفة لابد أن يليها مفردٌ، سواء سبقت بنفي أو نهي أو لم تسبق، وعلى ذلك الصحيح أنها لم تقع عاطفة في كتاب الله عز وجل. كذلك حرف "لكن" الذي يأتي لعطف المفردات بشرطين: أن يتقدمها نفي أو نهي، وألا تقترن بالواو فلا تكون ولكن، وعلى ذلك ففي قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ (يوسف: ١١١)، وفي ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ (الأحزاب: ٤٠) الصحيح أن المنصوب بعد لكن هو خبر لكان المحذوفة، ولكن كان رسول الله، ولكن كان تصديق الذي بين يديه.
وأخيرًا نأتي لحرف "لا":
وهذا الحرف أيضًا استخدامه كحرف عطف له شروط: أن يتقدمها إثبات وألا تقترن بعاطف وأن يتعاند متعاطفاها، أي يختلف ما قبلها عما بعدها، فلا يقال: جاءني رجل لا زيد، وعلى هذا فالصحيح أيضا أنها بهذه الشروط لم تستخدم عاطفة في كتاب الله -سبحانه وتعالى- وكذلك الحرف حتى. ولك لتبين سر الإعجاز أن تلمح شيئين؛ أولًا: تنوع المعاني في استخدامها؛ فتارة تكون بمعنى كذا وبمعنى كذا وتارة يحتمل الموقف أو الموضع الواحد أكثر من معنى.


الصفحة التالية
Icon