تبعها حتى كما مثلنا بقوله تعالى: ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي﴾ كذلك لفظ "لم" جاء معه الزمان محدودًا قال سبحانه وتعالى: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾ (مريم: ٢٦) فخصص باليوم، ولو كانت للتأبيد ما كان هناك تخصيص، وكذلك أنها تقترن بكلمة "أبدًا"؛ فكونها للتأبيد وتقترن بكلمة "أبدًا" ذلك تكرار لا مسوغ له أو لا داعي له.
قال تعالى: ﴿وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ (البقرة: ٩٥) فوجود أبدًا يدل على أنّ "لن" لا تُفيد التأبيد كما زعم من زعم ذلك.
بقي أن نذكر أنّ بعضَهُم ذَهَب إلى أنّ لنْ تُفيد الدُّعاء، واستدل بقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِين﴾ (القصص: ١٧) على معنى "فلا تجعلني ظهيرًا للمجرمين" وهذا القول أيضًا يُنظر فيه، ولكنه ذُكر في استخدام لن بمعنى الدُّعاء بدلًا من النفي.
هذا الفرق بين "لا" و"لن" في الاستخدام أما "لا" فتستعمل كثيرًا للنفي، وتأتي بصور شتى فتأتي عاملة عمل "إنّ" فيكون لها اسم وخبر، واسمها يكون منصوبًا وخبرها مرفوعًا، ولم ترد في القرآن ناصبة، وإنما أتى اسمها مبنيًّا في محل نصب كقوله تعالى: ﴿لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ﴾ (يوسف: ٩٢) ﴿قَالُوا لاَ ضَيْرَ﴾ (الشعراء: ٥٠) وكقوله تعالى: ﴿يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ﴾ (الأحزاب: ١٣).
كذلك تكون عاملة عمل ليس، وهذا له شروط معروفة في كتب النحو، وتأتي أيضًا للنفي على غير هذا؛ فيكون ما بعدها جملة اسمية أو فعلية، وإذا كانت جملة اسمية قد يأتي صدرها معرفة كقوله تعالى: ﴿لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ﴾ (يس: ٤٠) ويكون اسمها نكرة كقوله تعالى: ﴿لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُون﴾ (الصافات: ٤٧) وتأتي نافية لجملة فعلية فعلها ماض كقوله تعالى: ﴿فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى﴾ (القيامة: ٣١).


الصفحة التالية
Icon