٢ - تأتي "من" لبيان الجنس كقوله تعالى: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ﴾ (الكهف: ٣١) من ذهب أي: جنسها من الذهب، وكقوله تعالى: ﴿مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ﴾ (الأعراف: ١٣٢) وكقوله تعالى: ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا﴾ (البقرة: ١٠٦) وكقوله تعالى: ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ﴾ (الكهف: ٣١) وهناك خلاف بين النحاة في هذا المعنى، ولكن هذا المعنى ثابت في كتب التفسير عن حرف الجر من.
٣ - كذلك من تأتي لابتداء الغاية المكانية؛ وذلك باتفاق كقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾ (الإسراء: ١) فمن دلت على ابتداء الغاية المكانية، وكذلك أيضًا تدل على ابتداء الغاية الزّمانية بقوله تعالى: ﴿لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ﴾ (التوبة: ١٠٨).
٤ - كذلك تأتي "من" بمعنى التنصيص على العموم، أو تأكيد التنصيص عليه، وهذه ما تُسمى بمن الزائدة. وقضية الزيادة لنا فيها درس مستقل بإذن الله تعالى.
من هذه التي يُطلق عليها النحاة كلمة الزائدة يشترطون لها شروطًا: "أن تسبق بنفي أو نهي أو استفهام، وأن يكون مجرورها نكرة، وهذا المجرور بها إمّا أن يكون فاعلًا كقوله تعالى: ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ﴾ (الأنبياء: ٢) أي: ما يأتيهم ذكر، وكقوله تعالى: ﴿أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ﴾ (المائدة: ١٩) أي: ما جاءنا بشير، وكذلك إذا وقع المجرور بها مفعولًا كقوله تعالى: ﴿هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ﴾ (مريم: ٩٨) أي: أحدًا، وكقوله تعالى: ﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ﴾ (الذاريات: ٥٧) أي: رزقًا. وكقول فرعون: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ (القصص: ٣٨) أي: إلهًا.