أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء: ٨٨) وهو تحدّ باق إلى قيام الساعة، هذا التحدي الذي مضى أكثر من أربعة عشر قرنا على إعلانه ولم يبطله جاحد به ولا مكذّب له.
وقد تبارى الناس في بيان ذلك على مر العصور ابتداءً بالخطابي والرماني والباقلاني، ومرورًا بعبد القادر الجرجاني وختامًا بالرافعي ودراز والسامرائي وغيرهم كثير من المتخصصين المعاصرين كأبي موسى وبيومي ولاشين وفضلا عن المفسرين كالزمخشري والآلوسي وسيد قطب وابن عاشور، وما ذكرته من أسماء إنما هو على سبيل التمثيل لا الحصر، فكم من متعرض لهذا المجال وكم من أناس تحدثوا عن إعجاز القرآن الذي بهر العقول بما فيه من جمال؛ لأنه تنزيل رب العالمين -سبحانه وتعالى.
هذا الوجه من الإعجاز هو الذي جعل القرآن معجزًا من جميع الوجوه؛ نظمًا ومعنىً ولفظًا، لا يشبهه شيء من كلام المخلوقين أصلًا مميزًا عن خطب الخطباء وشعر الشعراء باثني عشر معنى لو لو يكن للقرآن غير معنى واحد من تلك المعاني لكان معجزًا، فكيف إذا اجتمعت جميعًا فيه.
هذا كلام الفيروز أبادي عندما عرض لأوجه الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم، أوجزها بوجود اثني عشر معنى في القرآن الكريم، وبدأ في بيانها والتمثيل لها، فذكر:
أولها: إيجاز اللفظ مع تمام المعنى على سبيل الحذف، كقوله تعالى: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ (يوسف: ٨٢) أي واسأل أهل القرية. وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ﴾ (البقرة: ١٧٧) أي: ولكن البر بر من آمن. أو على سبيل الاختصار كقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ﴾ (البقرة: ١٧٩).