للجمع، وتقديم الإطعام على الإسقاء، والإسقاء على الإطعام جائز؛ لأنّ الواو كما قلنا لمطلق الجمع، فتقدم سابق على لاحق، أو لاحق على سابق؛ فهذا جائز لولا مراعاة حسن النظم في الآية الكريمة.
ثم عطف الثاني بالفاء؛ لأن الشفاء يعقب المرض بلا زمان خال من أحدهما، فالإنسان في حياته إما أنه معافى، وإما أنه مريض، لا فترة بين العافية والمرض؛ فمن ثَمّ عُطف بالفاء. وعطف الثالث بـ"ثم" لأن الإحياء يكون بعد الموت بزمان، ولهذا جيء في عطفه بـ"ثم" التي هي للتراخي.
فيستدل بقوله أنه لو قال قائل في موضع الآية "الذي يطعمني، ويسقيني، ويمرضني، ويشفيني، ويميتني، ويحييني" كان كلامه كلامًا تامًّا، إلّا أنّ هذا الكلام لن يكون بهذا الوجه من العرض، ومن الأسلوب، ومن النظم لكلام الله سبحانه وتعالى.
واستدل أيضًا بقوله تعالى: ﴿قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَه * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَه * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَه * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَه * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَه * ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَه﴾ (عبس: ١٧: ٢٢) يقول: ألا ترى أنه لما قال: ﴿مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ﴾ كيف قال: ﴿فَقَدَّرَه﴾ ولم يقل: "ثم قدره" لأن التقدير لما كان تابعًا للخلقة، وملازمًا لها عطفه عليها بالفاء، وذلك بخلاف قوله: ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَه﴾ لأن بين خلقته وتقديره في بطن أمه، وبين إخراجه منه وتسهيل سبيله مهلة وزمنًا؛ فلذلك عطفه بـ"ثم".
وعلى هذا جاء قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَه * ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَه﴾ لأنّ بين إخراجه من بطنه أمه وبين موته تراخيًا وفُسحة، وكذلك بين موته ونشوره أيضًا؛


الصفحة التالية
Icon