"مَنْ ضَعْفٍ" وتُقرأ: "مِن ضُعف" وكلا الوجهين هو قراءة حفص عن عاصم لم يخرج عنها، فهذا يسمى طريق من طرق الأداء
كذلك مثلًا في: ﴿آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ (الأنعام: ١٤٣) تقرأ هكذا بالمد، وتقرأ "الذكرين" بتسهيل المد والاقتصار على حركتين فقط.
كذلك يترتب في قراءة حفص حكم على مَن يمد المنفصل يختلف عمن يقصر المنفصل، فالذي يقرأ بمد المنفصل يلزمه السكتات المعروفة في مواضع معينة في القراءة: ﴿وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ﴾ (القيامة: ٢٧) وكذلك في: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ﴾ (يس: ٥٢) هذه الوقفات المعينة والسكتات تترتب على مَن يمد القراءة في حفص، وهذا كله ما يسمى بطرق أداء القراءة.
القراءة وطرق الأداء أمران يتعلقان باللفظ، ويبنيان على وجوه اللغة التي قام بها هذا النظم الذي جاء عليه القرآن الكريم، فقد نزَلَ القرآن الكريم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأفصح ما تَسْموا إليه لغة العرب في خصائصها العجيبة وما تقوم به، مما هو السبب في جزالتها ودقة أوضاعها وإحكام نظمها واجتماعها من ذلك على تأليف صوتي يكاد يكون موسيقيًّا محضًا في التركيب والتناسب بين أجراس الحروف، والملائمة بين طبيعة المعنى، وطبيعة الصوت الذي يؤديه، فإذا تم هذا النظم للقرآني مع بقاء الإعجاز الذي تحدَّى به، مع اليأس من معارضته على ما يكون في نظمه من تقلب الصور اللفظية في بعض الأحرف والكلمات بحسب ما يلائم تلك الأحوال في مناطق العرب -أي: طرق نطقهم- فقد تم له التمام كله، وسار إعجازه إعجازًا للفطرة اللغوية في نفسها حيث كانت وكيف ظهرت، ومهما يكن من أمرها، ومتى كان العجز فطريًّا فقد ثبت بطبيعته.