وللأسف إن هذا القول الذي ساد واشتهر بتوافر الشروط الثلاثة دون النص الصريح على مسألة التواتر، ولا أشك أن ابن الجزري يشير بصحة السند ضمنًا إلى التواتر، فإن هذا التواتر هو الميزة العظمى في نقل القرآن الكريم، أنه محفوظ في الصدور، منقول عن طريق التواتر عن جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب، فمعروف أن التواتر هو نقل جمع عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب كما يؤمن وقوع الكذب منهم في المنقول وقوعًا اتفاقيًّا بدون تواطؤ في كل طبقة من أول السند إلى منتهاه، فهذا التواتر ركن ركين في صحة القراءة.
وهذا الذي ذكره ابن الجزري وفهِمه مَن فهمه عنه باشتراط الشروط دون الالتفات لنقطة التواتر وخاصة في عبارته أيضًا عندما قال:
وحيثما يختل شرط أثْبِتِ | شذوذُه لو أنه في السبعة |
فهموا من هذا القول أن السبعة -أو القراءات السبعية- ربما يكون فيه ما هو شاذ وما هو مردود. وهذا الكلام لا يجوز أن نقول به في وقتنا الحالي بحال من الأحوال، وهذا ما وقع فيه بعض الأكابر، فرأينا مثلًا الدكتور صالح فاضل السامرائي في كتابه (الكلمة في التعبير القرآني) ذكر بطلان قراءة متواترة بل هي قراءة الأكثرين، عندما أراد أن يبين الفرق بين قوله تعالى:
﴿ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ﴾ (الكهف: ٦٤) وقوله تعالى:
﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي﴾ (يوسف: ٦٥) بإثبات الياء في:
﴿نَبْغِي﴾ وحذفها في:
﴿نَبْغ﴾ مع استلزام إثباتها؛ لأن الفعل في حالة الرفع وعلامته ضمة مقدرة على الياء، فإثبات الياء في الرفع هو الأصل، فأراد أن يبين الفرق بين الإثبات والحذف، فسئل -حفظه الله- عن وجود الإثبات في التواتر في قراءة متواترة: "ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي" بإثبات الياء، فاعترض بأن ذلك يكون مخالفًا لرسم المصحف، وإذا خالف ذلك رسم المصحف ردت القراءة وإن