فإن الرسول الكريم -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- لم يسأل المشركين أجرًا على ما أخبرهم به، ولم يبخل عليهم بما عنده من علم -فصلوات الله وسلامه عليه- كان يرغبهم في الجنة ويحذرهم من النار، ويدعوهم إلى عبادة الله الواحد القهار، ومع ذلك لم يطلب منهم شيئًا: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ (الأنعام: ٩٠) فكان ذلك علامة على صدق نبوته، بأنه لم يبخل عليهم بالعلم كعادة الكهان الذين كانوا لا يقدمون الخبر، أو لا يفيدون بالنبأ، إلا إذا أخذوا في المقابل أجرًا، وهو ما يسمى بالحلوان أو حلوان الكاهن.
والقراءة الأخرى: "وما هو على الغيب بظنيين" أي: بمتهم أنه -صلى الله عليه وسلم- ليس بمتهم فيما يخبِر به عن ربه -سبحانه وتعالى- فهو الصادق المصدوق -صلوات الله وسلامه عليه- يخبر بما أخبر به ربه -سبحانه وتعالى- وعلى القراءتين يتضح كمال عصمة الأنبياء.
كذلك عندنا أيضًا في القراءات ما يساعد وما يبين مسائل تتعلق بالسمعيات، أي: الغيبيات التي أخبر المولى -سبحانه وتعالى-. من ذلك: أمر الملائكة، فهؤلاء الملائكة المكرمون عباد الله الذين: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم: ٦) هذه الملائكة نجد من القراءات ما يبين قدرَ هؤلاء الملائكة الكِرام، كقوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ (الزخرف: ١٩) فقرئت: ﴿عِبَادُ الرَّحْمَنِ﴾ جمع عبد، وقرئت: "عند الرحمن" وعند ظرف كما هو معلوم. فهاتان القراءتان بينت منزلة الملائكة الكرام عند الله -سبحانه وتعالى- فالقراءة على العندية بمعنى الظرف: أنهم مكرمون عند ربهم -سبحانه وتعالى- وأنهم لا يعصونه فيما يأمر به، فهذه العندية عنديةُ الفضل والقرب من الله تعالى؛ بسبب الطاعة.