هذا الذي ذكره صاحب (البصائر) أي الفيروزآبادي لا نستطيع الزعم بأنه كل معاني الإعجاز، بل لا نسلم بأنه جلها فكم من أشياء أخر ذكرها المهتمون بهذه القضية، بل لا نستطيع حصر الإعجاز والتحدي في الجانب اللغوي فقط؛ لأن اللغة إطار توضع فيه المعاني، وكم في المعاني من أسرار لا يعلمها إلا مكور الليل على النهار ومن جاد عليهم من عباده الأخيار؛ فذلك علم يمنحه الله -سبحانه وتعالى- هبة وفضلا لمن يشاء.
ولك أن تتأمل -أيها الطالب النجيب- كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وكون القرآن أنه معجزة ليس هو من جهة فصاحته وبلاغته فقط أو نظمه وأسلوبه فقط، ولا من جهة إخباره بالغيب فقط، ولا من جهة صرف الدواعي عن معارضته فقط، ولا من جهة سلب قدرتهم عن معارضته فقط؛ بل هو آيةٌ بينة معجزة من وجوه متعددة؛ من جهة اللفظ ومن جهة النظم ومن جهة البلاغة في دلالة اللفظ على المعنى، ومن جهة معانيه التي أمر بها ومعانيه التي أخبر بها عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته، وغير ذلك، ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الميعاد، ومن جهة ما بين فيه من الدلائل اليقينية والأقيسة العقلية، التي هي الأمثال المضروبة كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ (الكهف: ٥٤)، وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا﴾ (الإسراء: ٨٩) وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ (الزمر: ٢٧، ٢٨).
وكل ما ذكره الناس من الوجوه في إعجاز القرآن هو حجةٌ على إعجازه، ولا يناقض ذلك، بل كل قوم تنبهوا بما تنبهوا.